النفسية، كالألم والخوف، التي تبدو ناجمة مباشرة عن المؤثرات الخارجية هي في حقيقة الأمر تصورات و«أحكام»
judgements
عقلية؛ فبين المؤثر الخارجي (والداخلي أحيانا) والاستجابة الانفعالية هناك دائما عنصر فكري أو «معرفي»
cognitive
يتوسط الأمر ويكون هو السبب المباشر للانفعال؛ إنه حكمنا، أو رأينا، أو تقييمنا للمؤثر، وهو من ثم أمر في يدنا وتحت تصرفنا وبوسعنا تعديله أو تصويبه إذا شئنا. يفرق الرواقيون مثلا بين الألم الجسمي، وهو شيء خارج عن إرادتنا، وبين موقفنا النفسي من الألم وهو شيء خاضع لإرادتنا وبمقدورنا أن نقرر بحرية أن نستسلم للألم أو لا نستسلم.
والحكيم الرواقي يتمتع بمنعة نفسية كاملة، لا سلطان للأهواء والانفعالات والأوهام على قلبه، لا يجزع في المحن ولا ينخذل في الشدائد، لا يرهن نفسه للأمل ولا يصغي لكاذب الرجاء. يحيا في سعادة دائمة، بالمعنى الرواقي للسعادة، أي الحياة المتدفقة في غبطة ، المسترسلة في دعة وحنو واكتفاء ورضا، الموافقة للعقل. ومهما تألم جسده وتبرم يظل عقله بمعزل، «محصنا من أي مجرى يجري في الجسد» (التأملات، 5-26)، عاليا فوق الغضب والكدر، وإن شئت فقل: «إن الحكيم لا يحس شيئا من هذه الأمور التي تضطرب بها نفوس الناس» (سينيكا، ثبات الحكيم، 10-3).
وصفوة القول أن الأشياء، أو الأحداث، بحد ذاتها لا تقحم نفسها على العقل بل تقف هناك، خاملة محايدة، لا هي خير ولا شر، ولا هي حسنة ولا قبيحة، بل هي جميعا «سواء» أو «أسواء» أو «لا فارقة»
indifferentia ؛ الفقر والغنى، الصحة والمرض، الحياة والموت، اللذة والألم، الشهرة والخمول ... إلخ، ليست بذاتها خيرا ولا شرا؛ فالخير الوحيد هو السلوك العقلاني الفاضل، والشر الوحيد هو السلوك الشرير المنافي للعقل.
ذلك أن الخير عند الرواقيين هو الشيء النافع لصاحبه تحت كل الظروف. فهل ينطبق هذا التعريف على المال مثلا؟ كلا؛ فلا يندر أن يستخدم المرء المال في معاقرة الإثم ويستخدم صحته في الظلم والبطش. المال، إذن، والصحة، ليسا خيرا في ذاتهما، وإنما هما كمثل غيرهما من الأشياء التي يتكالب عليها الناس؛ «أشياء لا فارقة»
indifferentia .
صفحه نامشخص