تأمل یوماً بعد یوم: ۲۵ درساً للعیش بوعی کامل
تأمل يوما بعد يوم: ٢٥ درسا للعيش بوعي كامل
ژانرها
نجد في كل مقاربات الوعي الكامل تمارين تركز على الجسد، نستعرض أثناءها باهتمام هادئ أجزاء جسدنا، جزءا بعد جزء. إذ يجب أن يصبح جسدنا مركز جاذبية اللحظة الحاضرة. نستطيع مثلا أن نمارس كل صباح تمارين تأمل تتعلق بوضعيتنا بأن نقوم بعشر حركات شهيق وزفير بوضعية الوقوف محاولين الحفاظ على استقامة جسدنا دون أن يكون متشنجا. سيكون علينا أن نعي هذه الوضعية، وأن نصححها بهدوء وبشكل طبيعي لتصبح أكثر راحة ووقارا. ثم نأخذ الوقت الكافي لكي ندرك ما تقدمه هذه الوضعية لجسدنا من أحاسيس. يمكننا أيضا أن نقوم بحركات شد الجسم ببطء ونحن في حالة وعي كامل. من المؤكد أن هناك عددا لا يحصى من التمارين.
ليست المسألة رياضة بدنية، لكنها طريق إلى معرفة الذات؛ طريق لا يمر عبر الكلمات. قد يكون أكثر غلاظة، لكنه أكثر «بدائية» من الاستبطان الذهني. إنه شكل من أشكال الاستبطان الجسدي الهادئ والخير. إنه يعني أن نقول لأنفسنا بهدوء: «حسنا، لنأخذ بعض الوقت كي نرى ونشعر بما يحدث هنا في الداخل.» قد يساعدنا ذلك حين يكون الذهن مشوشا وتائها؛ فالجسد لن يكذب علينا؛ إنه سيعلمنا بالأمر. ومن المهم بالتأكيد ألا نسخر منه كما يقول نيتشه: «لدي كلمة لهؤلاء الذين يحتقرون أجسادهم. لن أطلب منهم أن يغيروا من رأيهم أو معتقدهم، وإنما فقط أن يخرجوا من أجسادهم، كي يصبحوا بكما.» أحيانا لا يكون الأمر احتقارا للجسد، وإنما نسيانا له. أحيانا ننسى أجسادنا ظانين أنفسنا أذهانا فقط. نعامله كأداة. ننتظر منه الصمت (عندما يكون بصحة جيدة)، والمتعة (في الحواس والأعضاء)، والإذعان (ليخدمنا وينقلنا من مكان إلى آخر). هذا جيد، لكنه كثير. فجسدنا أكثر أهمية من كل ذلك.
الجسد: باب الدخول إلى الروح
الجسد والروح مرتبطان دائما؛ لا يترك أحدهما الآخر. وحين نخفف العبء عن أحدهما، سينعكس ذلك على الآخر، والعكس صحيح. كثيرون هم من يستخدمون هذه الثنائية الديكارتية، وكأن الجسد والروح شيئان منفصلان، لكن ديكارت لم يقل ذلك أبدا. ولم يقله أي شخص آخر. فهذه الثنائية ترتكز غالبا عند الناس على مبدأ الأولوية؛ اقتناعهم بالأقوى بينهما، وأي منهما سيخضع الآخر. يظن الناس عموما أن الروح يجب أن تكون أقوى من الجسد. لكن الأمر، في الحقيقة، هو كما في حالة الزواج؛ يختلف الأمر من فترة إلى أخرى، من مجال إلى آخر. تتغير العلاقة وتتطور. وهذا شيء عظيم.
الجسد والروح ليسا شيئا واحدا، كما أنهما ليسا شيئين منفصلين؛ إنهما حقيقتان مختلفتان، لكنهما مرتبطتان بشدة. إن وعينا بهذه العلاقة يعلمنا الكثير. يعلمنا مثلا أن اختبار تجربة وعي الجسد لا يكون بأن نقول لأنفسنا بشكل خاطف ومبهم : «حسنا، لدي جسد، ومن المهم العناية به.» وإنما بالتوقف في كل مرة تسنح لنا الفرصة كي نلتقط هذا الإحساس بما يحدث داخله في هذه اللحظة. علينا أيضا أن نتواصل معه باستمرار؛ ليس فقط عندما يعاني أو يشعر بالمتعة.
علينا أن نتعلم قراءة أحاسيسنا، وإعطاءها انتباهنا؛ فهي لوحة التحكم التي ستقدم لنا المعطيات اللازمة لمعرفة ما إن كان هناك توازن أم لا في ذهننا. أحيانا حين ندع جسدنا يعيش داخل روحنا، سنختبر أحاسيس غريبة؛ وكأننا نخرج من جسدنا، أو كأن نشعر به يطفو، أو كأنه ثقيل جدا أو أنه يغير من شكله. وفي أحيان أخرى ستتملكنا أحاسيس مزعجة؛ سندرك مثلا آلاما أو شدة خبأناها في انشغالاتنا أو اجترارات تتعلق بأمور خارجية أخرى. من هنا تأتي أهمية الفرق بين ممارسة التأمل وممارسة الاسترخاء. فالتأمل لا يسعى، في أولوياته، للوصول إلى الراحة الجسدية أو الاسترخاء، وإنما إلى حالة وعي، بكل سهولة، لما يحدث داخلنا. وأحيانا يكون ما يحدث مؤلما. يدعونا الوعي الكامل إلى مراقبة وقبول وحتى استضافة هذه الآلام بدلا من الهروب منها.
الفوائد
نحن نعلم منذ وقت طويل أننا حين نقوم بما هو جيد لأجسادنا، فإننا نقدم ما هو جيد لأذهاننا؛ على سبيل المثال، التمرينات البدنية، الراحة والاسترخاء، وأيضا الضحك، والوضعيات المريحة. كل ذلك يعود بالفائدة على الذهن، وله تأثير تراكمي على المدى الطويل؛ فلن يفيدنا انتظار فوائد مباشرة وآنية. إننا لا نستطيع التنبؤ بنتائج التأمل؛ لهذا نطلب من الذين يمارسونه ألا «ينتظروا» شيئا؛ ألا يسعوا للحصول على الاسترخاء، ألا يتوقعوا الشعور بالراحة، وألا ينتظروا الوصول إلى حالة معينة. هذا على الأقل أثناء ممارسة التأمل. ففي هذه اللحظات ليس علينا انتظار شيء محدد، وإنما الانفتاح بكل بساطة على كل ما هو موجود، هنا في هذه اللحظة، واستضافته في وعينا لا أكثر. إن كلمة السر هي إذن «إتاحة الفرصة».
إن إتاحة الفرصة شيء مهم؛ لأنه، منذ عدة سنوات، بدأ الخبراء يرون أن الجسد قادر على «إصلاح» نفسه (انتبهوا، فالأمر لا يعني الشفاء من الأمراض أو الوصول إلى الأبدية). وهذه القدرة تزداد عندما نمنحه المتعة والسعادة، ولكن أيضا عندما نعطيه حيزا من تفكيرنا؛ عندما نستمع إليه، ونسمح له أن يعبر عن نفسه. يبدو أن للتأمل دورا في إبطاء شيخوخة الخلايا، بتأثيره على التيلوميرات، تلك القلنسوات الموجودة في نهايات الصبغيات.
إن إعطاء وقت كاف بشكل متكرر لأحاسيسنا الجسدية دون شك يعود بالفائدة على صحتنا. لهذا، توصي ممارسة الوعي الكامل، مثلا، بتكرار هذا التمرين الذي ينطوي على استعراض كل أجزاء جسدنا بهدوء ولطف؛ وكأننا نسير في الطرقات المتفرعة لغابة كي نلتقط الأغصان اليابسة، ونتأكد من أن كل شيء يسير على ما يرام. وحتى لو كان هذا الجسد مريضا، متعبا، أو هرما، يجب أن نعطيه أفضل ما لدينا، هنا والآن؛ علينا أن نعطيه الانتباه، والعناية، والوقت، والعطف.
صفحه نامشخص