تأويل مختلف الحديث
تأويل مختلف الحديث
ناشر
المكتب الاسلامي ومؤسسة الإشراق
شماره نسخه
الطبعة الثانية
سال انتشار
۱۴۱۹ ه.ق
ژانرها
علوم حدیث
وَلَو عرفت الْمُعْتَزلَة معنى ذَلِك، مَا فَارَقَتِ الْمُثْبِتَةَ، إِنْ لَمْ يَكُنْ الِاخْتِلَافُ إِلَّا لِهَذَا الْحَدِيثِ.
والفطرة -هَهُنَا- الِابْتِدَاءُ وَالْإِنْشَاءُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ١ أَي مبتدئهما.
وَكَذَلِكَ قَوْله: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ ٢ يُرِيدُ جِبِلَّتَهُ الَّتِي جَبَلَ النَّاسَ عَلَيْهَا.
وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ" أَخَذَ الْمِيثَاقَ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ ٣.
فَلَسْتُ وَاجِدًا أَحَدًا إِلَّا وَهُوَ مُقِرٌّ بِأَنَّ لَهُ صَانِعًا وَمُدَبِّرًا، وَإِنْ سَمَّاهُ بِغَيْرِ اسْمِهِ، أَوْ عَبَدَ شَيْئًا دُونَهُ، لِيُقَرِّبَهُ مِنْهُ عِنْدَ نَفْسِهِ، أَوْ وَصَفَهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ، أَوْ أَضَافَ إِلَيْهِ مَا تَعَالَى عَنْهُ عُلُوًّا كَبِيرًا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ ٤.
فَكُلُّ مَوْلُودٍ فِي الْعَالَمِ عَلَى ذَلِكَ الْعَهْدِ وَالْإِقْرَارِ، وَهِيَ الْحَنِيفِيَّةُ الَّتِي وَقَعَتْ فِي أَوَّلِ الْخَلْقِ، وَجَرَتْ فِي فِطَرِ الْعُقُولِ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَقُولُ اللَّهُ ﵎: إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي جَمِيعًا حُنَفَاءَ، فَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ دِينِهِمْ، ثُمَّ يُهَوِّدُ الْيَهُودُ أَبْنَاءَهُمْ، وَيُمَجِّسُ الْمَجُوسَ أَبْنَاءَهُمْ" ٥ أَيْ يُعَلِّمُونَهُمْ ذَلِكَ.
١ سُورَة فاطر: الْآيَة ١. ٢ سُورَة الرّوم: الْآيَة ٣٠. ٣ سُورَة الْأَعْرَاف: الْآيَة ١٧٢. ٤ سُورَة الزخرف: الْآيَة ٨٧. ٥ مُسلم: جنَّة ٦٣، وَأحمد ٤/ ١٦٢ وَقد وَجَدْنَاهُ بِلَفْظ: "إِنِّي خلقت عبَادي حنفَاء كلهم، وَأَنَّهُمْ أَتَتْهُم الشَّيَاطِين فَاجْتَالَتْهُمْ عَن دينهم، وحرَّمَت عَلَيْهِم مَا أحللتُ لَهُم، وأمرتهم أَن يشركوا بِي مَا لم أنزل بِهِ سُلْطَانا، وَإِن الله نظر إِلَى أهل الأَرْض فمقتهم عربهم وعجمهم إِلَّا بقايا من أهل الْكتاب. وَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُك لأبتليك وأبتلي بك وأنزلت عَلَيْك كتابا لَا يغسلهُ المَاء، تقرؤه نَائِما ويقظان...." إِلَخ.
1 / 200