Scenes from the Lives of the Companions
صور من حياة الصحابة
ناشر
دار الأدب الاسلامي
شماره نسخه
الأولى
ژانرها
دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ عَلَى سَيِّدِ ((فَارِسَ)) مُشْتَمِلاً شَمْلَتَهُ (١) الرَّقِيقَةَ، مُؤْتَزِرًا عَبَاءَتَهُ الصَّفِيقَةَ(٢)، عَلَيْهِ بَسَاطَةُ الأَعْرَابِ ...
لَكِنَّهُ كَانَ عَالِيَ الهَامَةِ(٣)، مَشْدُودَ القَامَةِ، تَتَأَججُ بَيْنَ جَوانِحِهِ(٤) عِزَّةُ الإِسْلَامِ، وَتَتَوَقَّدُ فِي فُؤَادِهِ كِبْرِيَاءُ الإِيمَانِ.
فَمَا إِنْ رَآهُ ((كِسْرَى)) مُقْبِلاً حَتَّى أَوْمَأَ إِلَى أَحَدٍ رِجَالِهِ بِأَنْ يَأْخُذَ الكِتَابَ مِنْ يَدِهِ فَقَالَ:
لَا، إِنَّمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَدْفَعَهُ لَكَ يَدًا بِيَدٍ وَأَنَا لَا أُخَالِفُ أَمْرًا لِرَسُولِ اللَّهِ.
فَقَالَ ((كِسْرَى)) لِرِجَالِهِ: اتْرُكُوهُ يَدْنُو مِنِّي، فَدَنَا مِنْ ((كِسْرَى)) حَتَّى نَاوَلَهُ الكِتَابَ بِيَدِهِ.
ثُمَّ دَعَا ((كِسْرَى)) كَاتِبًا عَرَبِيًّا مِنْ أَهْلِ ((الحِيرَةِ))(٥)، وَأَمَرَهُ أَنْ يَفُضَّ(٦) الكِتَابَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَنْ يَقْرَأَهُ عَلَيْهِ فَإِذَا فِيهِ:
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسَ، سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى) ...
فَمَا إِنْ سَمِعَ ((كِسْرَى)) مِنَ الرِّسَالَةِ هَذَا المِقْدَارَ حَتَّى اشْتَعَلَتْ نَارُ الغَضَبِ فِي صَدْرِهِ؛ فَاحْمَرَّ وَجْهُهُ، وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ (٧) لِأَنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ .. فَجَذَبَ الرِّسَالَةَ مِنْ يَدِ كَاتِبِهِ وَجَعَلَ يُمَزِّقُهَا دُونَ أَنْ يَعْلَمَ مَا فِيهَا وَهُوَ يَصِيحُ: أَيَكْتُبُ لِي بِهَذَا، وَهُوَ عَبْدِي؟ !!...
(١) الشملة: كساء يلف عَلَى الجسم لغًا.
(٢) الصفيقة: الغليظة النسج.
(٣) الهامة: الرأس.
(٤) الجوانح: الأضلاع.
(٥) الحيرة: منطقة في العراق بين النَّجف والكُوفة.
(٦) فض الكتاب: فتحه.
(٧) الأوداج: جمع ودج، وهو عرق في العنق ينتفخ عند الغضب.
37