سقراط: الرجل الذي جرؤ على السؤال
سقراط: الرجل الذي جرؤ على السؤال
ژانرها
وطاف القوم بالخنزير الرضيع حول مكان الاجتماع في حفل التطهير التقليدي، وقيلت دعوات الافتتاح، وصبت اللعنة على أي فرد يعمل بما يخالف القوانين في هذا المجلس، وقرأ الرائد اقتراح كالكسينس، ووقف صديق من أصدقاء القادة يعلن بطلانه شرعا، وكاد القوم أن ينزلوه من فوق المنصة، واقترح خطيب شعبي «أن يتركوه يموت مع القادة، وأن يدينوهم جميعا دفعة واحدة!» وصاحت الجماهير بالتأييد.
وفي غضون ذلك اندفع صوب المنصة ملاح زعم أنه يحمل رسالة من رفاقه الموتى، وقال لهم: «لقد كنت أنا نفسي في غمرة المياه عدة ساعات بعد المعركة، ونجوت بتعلقي ببرميل دقيق، وعهد إلي صحابي بهذه الرسالة قبل أن يفارقوا الحياة، قالوا: «قل للأثينيين: إننا متنا بعد المعركة، بعد قتال خاطرنا فيه بكل شيء من أجلهم، وقد تركنا قادتنا للموت»، وكانت الدموع تنهمر على وجه الملاح، واستحال صياح الجماهير إلى زئير، وسواء كان القادة أبرياء أو مذنبين، لم يعد لهم بعد ذلك أمل.»
ولم يكن لسقراط مفر - وهو قريب من المنصة - من أن يسمع ويرى الخطأ الجسيم الذي كان القوم يسيرون فيه، وكان يعرف كل رجل في الحشد تقريبا، وكانوا في جملتهم قوما عطوفين مهذبين يحبون الأطفال، وأكثر من عدول في أكثر الأحيان حتى مع عبيدهم؛ لأنهم مهما عاد بعضهم بالذاكرة إلى الماضي لا يذكرون إلا أنهم كانوا يخوضون معركة من أجل مدينتهم، وأما الآن فهم في عماهم يشنون القتال على بلدهم وعلى أنفسهم وبنيهم، كانوا يحاولون أن يحطموا العقل والعدالة واحترام الأفراد الذي من أجله كافحت أثينا، والأمر الآن أكبر من موت ستة رجال أو حياتهم.
ومال سقراط على أرستوجنيز وقال: «سوف أرفض عرض الأمر في هذا الاجتماع، فهل تؤيدني؟ إنهم لا يستطيعون التصويت ما دمنا نرفضه.»
وابيض لون أرستوجنيز، وكان يفكر في ذلك من قبل، غير أن الفكرة كانت أكبر منه وصاح قائلا: «هل جننت يا سقراط؟! إن القواد سوف يموتون، وتموت معهم لو حاولت أن تتدخل.»
وقال سقراط في تؤدة: «إنني لا أفكر في القادة، وإنما أفكر في وجوه القوم تلك التي أشاهدها، لقد جن أكثرهم، والباقون في خوف شديد، أعتقد أننا جميعا سوف نموت ذات يوم، غير أن هذا الأمر يجب أن يقف عند حد، ونستطيع نحن على الأقل أن نذكر اليمين التي أقسمناها للاستمساك بالقانون، فهل تؤيدني؟»
فأجابه أرستوجنيز: «لست بطلا، وعندي زوجتي وأطفالي أفكر فيهم.» ولكن لما وقف سقراط، وقف كذلك أرستوجنيز.
ومن العسير أن نفهم ما حدث بعد ذلك، ونعلم أن سقراط عندما قدم احتجاجه كانت تحوطه جماعة صغيرة من الرؤساء، ولا بد أنهم أدركوا ما سوف يحدث، فقد شهدوا ما حدث لصديق القادة الذي حاول أن يتهم كالكسينس قبل ذلك، ومع ذلك فقد نهضوا ورفضوا أن يقدموا الاقتراح للشعب، ولا بد أن يكون ضغط الجماهير شديدا بعد ذلك؛ لأن هؤلاء الرجال الأمناء الشجعان تخلوا عن المعارضة واحدا بعد الآخر، وبقي سقراط وحده، وأصر أنه أقسم أن يطيع القوانين وأنه سوف يطيعها، وليس من شك في أنه قد اتضح بعد وقت قصير أنه كان يعني ما يقول، ومع ذلك فقد عاد سقراط إلى به وإلى زانثب ذلك المساء كعادته، ليس حيا لم يصبه أذى فحسب، لكنه كذلك من الأحرار.
وقدم الاقتراح بطبيعة الحال بالرغم من احتجاج سقراط، وتمت عملية التصويت، وتحقق لثرامينس وكالكسينس ما أرادا، وأوشك القادة أن يعدموا، غير أنه من العسير أن نتصور أن سقراط قد عاش، في حين أن كثيرا من الرجال الآخرين قد اعتقدوا أنه لم تكن له فرصة في الحياة، لولا أن حدث في الاجتماع شيء عجيب، وانقشع الكابوس وعاد للجماهير شيء من الإحساس باللياقة ولو لبرهة من الزمان، ولم ينقض بالتأكيد وقت طويل قبل أن يشعر الأثينيون بالخجل مما فعلوا.
وأوقعوا بكالكسينس العقوبة من أجل ذلك، في حين أنه كان من الأجدر بهم ألا يلوموا إلا أنفسهم، وليس من شك في أن موقف سقراط كان له أثره، وحتى بعد مضي زمن طويل لا بد أن يكون بعض من الأثينيين - وربما كانت قلة منهم، ولكن الفرد الواحد كان عند سقراط ذا قيمة كبرى - قد ذكروا ما شهدوه في ذلك اليوم وعلموه أبناءهم.
صفحه نامشخص