صندوق دنیا
صندوق الدنيا
ژانرها
وإذا ظللت أكتب وأكتب هكذا فماذا يكون؟ لا أقول: إني سأفلس، فإن الحياة لا تنفك أبدا جديدة في رأي العين والعقل، وهي لا تزال تسفر كل يوم عما يحرك النفس، ولكني خليق أن أجن ... نعم، وماذا عسى أن يكون آخر هذا النصب؟ ودع الجنون، فلو كان إنسان يجن من كثرة ما كتب لكان عنواني قد تغير منذ أعوام جديدة، ولكن تعال نجر حسابا صغيرا نسقط منه كل ما ليس بالأدبي.
أنا أكتب في الأسبوع مقالين، فجملة ذلك في العام تبلغ المائة، وكل مائة مقال تملأ خمسة كتب كهذا، فسيكون لي إذن بعد عشرة أعوام - إذا ظللت هكذا - ثلاثون كتابا غير ما أخرجت قبل ذلك، أي إن كتبي أنا وحدي تملأ مكتبة صغيرة يجد فيها القراء ما يشتهون ولا يعدمون منها متعة أو سلوى، وصاحبها لم يستفد إلا العناء.
والبلاء والداء العياء أن تكتب مرة مقالة فكاهية، والطامة الكبرى أن تكون المقالة جيدة، وأن تكون الفكاهة فيها بارعة. لا أمل لك بعد هذا أبدا ... لأن الناس يذهبون ينتظرون منك بعد ذلك أن تطرفهم بالفكاهات في كل مقال آخر. فإذا أخطئوا عندك ما يطلبون من الفكاهة فالويل لك، وأنت عندهم قد أصفيت، أو ضعيف لا تحسن أن تكتب، أو غير موفق فيما تحاول، حتى ولو كنت تكتب جادا ولا تحاول أن تمزح أو تتفكه. والناس معذورون. فإن وطأة الحياة ثقيلة، وما دمت قد عودتهم أن تسليهم وتضحكهم أو أطمعتهم وأنشأت في نفوسهم الأمل في هذا فماذا تريد أن تتوقع؟ ولكن الناس - أيضا - خلقاء أن يذكروا أن الحياة قد تكون ثقيلة على الكاتب، وأنه لعل في نفسه جرحا وفي صدره قيحا، وأنه عسى أن يكون ممن يودون لو يضحكون ويضحكون غيرهم، ويتمنون لو استطاعوا أن يجعلوا الدنيا جنة رفاقة البشر، ولكن هموما تجثم على الصدور تقلص الوجه وتطفئ لمعة العين وتحبس البشر الذي يريد أن ينطلق، وترد الضحكة التي كانت تهم أن تقرقع.
لقد صدقت فيما كتبت به إلى صديق على صورة لي:
أخوك إبراهيم يا مصطفى
كالبحر لا يهدأ أو يستريح
كالبحر حي الموج يقظانه
لكنه من نفسه في ضريح
من حوله الشطآن لا تنثني
تحبه دون انسياج الفتوح
صفحه نامشخص