صندوق دنیا
صندوق الدنيا
ژانرها
ودخلت في أثرها الخادمة الأخرى وأمي وراءها. وعلا الضجيج وكثر الكلام، وكنت أنا أشاهد هذا كله وأرى الإبريق، ولكني كنت مفتونا بهذا الحوار الذي يدور على لا شيء، فلم أدلهم على مكانه، ولو أني تكلمت لضاع صوتي الصغير ولغرق في طوفان هذه الضوضاء، على أني لم ألبث أن شعرت كأن رأسي سيتهشم وعجزت عن احتمال هذه الحال، وبدا لي - لسوء الحظ - أني حقيق بأن يكون لي من احترام النساء للرجال حظ ولو قليلا قياسا على ما أراه من إجلالهن لأبي، فصحت بهن، وأمي في جملتهن. «يا للعمى! ألا ترين الإبريق وهو تحت أنوفكن؟ ما هذه الضجة الفارغة؟ لقد أوجعتن رأسي!»
فكان جزائي - كما أسلفت - علقة. •••
نعم، كان المنزل جحيم الطفل. فهو مطالب بأن يكون له عقل الكبار واتزانهم وفهمهم، ولكنه محروم من مزاياهم ولا يعامل معاملتهم. وكل شيء يصدر عنه معيب وخطأ. فاللعب عيب، والصمت عيب، والتهويم في المجلس عيب، والأرق عيب، والاستفهام عيب، ولا شيء فيما يرى الطفل محمود مشكور. ماتت بنت خادمتنا - وكانت في مثل سني - ولم أعلم أنها ماتت؛ لأنهم أجلوني عن البيت وأرسلوني إلى عمتي، فلما عدت ولم أجدها سألت عنها لأني افتقدتها، فكان كل من أستفسر منه عن اختفائها يتجهم لي وينهرني عن السؤال لأنه عيب. فذهبت إلى أبي، وكان حليما صبورا رضي الخلق، فسألته عنها فأخبرني أنها ماتت. فعجبت ولم أفهم كيف تجرؤ أن تموت. فسألني أبي بدوره عن سر عجبي. فقلت له: «لأنها صغيرة.»
قال: «ولكن الموت ينزك بالكبار والصغار على السواء.»
فألححت وقلت: «ولكن يا أبي إنها لا تزال صغيرة فكيف يجوز أن تموت؟»
قال: «يا بني لا اعتراض على قضاء الله.»
قلت مصرا: «ولكنها صغيرة وهذا عيب.»
فضحك ومسح رأسي بكفه فلم أزد إلا لجاجة وقلت: «يا أبي. هل تسمح لي أن أفهمها أن هذا عيب وأنها لا يصح أن تموت؟»
قال وقد ضجر على ما يظهر، وإن ظل يبتسم: «يا بني كيف يكون الموت عيبا؟»
قلت مستغربا: «أليس الموت عيبا؟»
صفحه نامشخص