صندوق دنیا
صندوق الدنيا
ژانرها
هو (وعلى وجهه ابتسامة جعلته كجمجمة الميت) :
لم يخطر لي والله أنك نائم.
أنا (بصوت هادئ ولهجة مرة) :
ولماذا بالله؟
فترك الجواب على هذا وقال: لست أستغرب أن تتركني واقفا بالباب في هذا البرد وإن كنت قد قطعت إليك أربعة كيلو مترات مشيا على قدمي، فإن لكم - معاشر الشعراء - لأطوارا وبدوات غير مأمونة.
فأطار صوابي تحميله إياي اللوم على ذنبه، ولم أعد أحفل أهو أقوى مني أم أضعف، فقبضت على عنقه وصحت به: لقد كان ينبغي أن تمشي إلى جهنم. وسأدفنك حيا إذا رأيتك هنا ليلا أو نهارا. أسمعت؟
ودفعته عني فانطلق يعدو كالقنبلة.
وثم من يراني أنسى شيئا أو أضعه في غير موضعه أو أهمل أمرا أو أطيل الصمت أو أفعل حتى ما يفعله الناس ... آكل أو أشرب أو أنام، إلا أحالوا علي الأدب وتخيلوا فيما أنا فاعل أو تارك شذوذا ملحوظا حتى ضقت ذرعا بهذه الحال وصار وكدي أن أقنع كل من يتيسر لي إقناعه أني لست بالأديب، وأن قرض الشعر لم يكن مني إلا لهوا وتسلية، وعسى أن أكون أفلحت فليس أمض للإنسان من أن يرى الناس يعدونه غير مسئول.
الصغار والكبار
قلت لابني عصر يوم، وفي نيتي أن أزجره زجرا قويا عن العبث بكل ما تصل إليه يده: «أتحب أن تخرج معي اليوم؟» وسبقته إلى الباب الخلفي المفضي إلى الصحراء، وقلما كنت أستصحبه لتعذر السير عليه في الرمال، فرمى الكرة ومضى يعدو خلفي ليلحق بي. فلما اطمأن بنا السير شرعت أستقصي معه ما يعلم وما يجهل وما ينبغي أن يعلم، وكانت خلاصة دفاعه - بألفاظي أنا لا بألفاظه هو - أنه يكلف العلم بأشياء عديدة يجد عسرا في فهمها وإدراكها، مضافا إلى ذلك أنه لا يدري كيف يمكن أن تعنيه هذه المعارف التي يطلب منه الإلمام بها؟! وأن كثيرا مما يشتهي أن يعرفه ويلذ له ويمنعه أن يحيط به، لا يجد من يدله عليه.
صفحه نامشخص