سن ياتسن أبو الصين

عباس محمود العقاد d. 1383 AH
72

سن ياتسن أبو الصين

سن ياتسن أبو الصين

ژانرها

فلما نجوت من لندن قصدت أوروبة لدراسة نظمها السياسية، والتعرف إلى هيئات المعارضة والمقاومة، وفي أوروبة علمت أن الدول الأوروبية على نجاحها في أسباب القوة ومبادئ الحكم القومي لم تنجح في توفير أسباب السعادة والرضا لرعاياها، ولهذا اتجهت مساعي الثوريين الأوروبيين إلى الثورة الاجتماعية، ونبتت عندي فكرة الجمع في وقت واحد بين حل مشكلات الاقتصاد والاستقلال والحرية الشعبية، ومن هنا كانت نشأة ال «سان مين شو آي» أو الديمقراطية القائمة على دعائمها الثلاث.

إن الثورة هي رسالتي الكبرى في الحياة، فاعتزمت التعجيل بإنهاء عملي في القارة الأوروبية حرصا على الوقت اللازم لتحقيق الثورة أن يضيع سدى. وأقلعت إلى اليابان معتقدا أننا نستطيع على مقربة من الصين أن نواصل جهودنا الثورية، فلقيني في يكهاما اثنان من زعماء الحزب القومي اليابانيين، ثم التقينا بعد ذلك في طوكيو أصدقاء قدماء وتناولنا البحث فيما له علاقة بالصين على أتم ما يكون من الصراحة، واتفق في ذلك الحين أن الحزب القومي تولى الوزارة واختير أكوما وزيرا للخارجية، فقدمت إليه وإلى الساسة اليابانيين الآخرين، وكان ذلك بدء اتصالنا بالدوائر اليابانية الحاكمة، ثم التقيت بسوزيما وغيره من ممثلي المعارضة اليابانية.

وكان المهاجرون الصينيون باليابان يبلغون عشرة آلاف، يسودهم جو فتور وخمود وتفزعهم خواطر الثورة شأنهم في ذلك شأن المهاجرين إلى الأقطار الأخرى، وجاهد زملاؤنا بينهم سنوات فكان قصارى ما صنعوه أنهم ضموا نحو مائة إلى حركة الثورة وهم نحو واحد في المائة من جملة المهاجرين.

وإذا كانت مهمة الدعوة الثورية بين المهاجرين على هذه الحال من العسر وقلة الشكر، فقد كانت الدعوة أعسر من ذلك وأقل شكرا بين الصينيين في صميم بلادهم، فمن لم تصدهم فكرة خلع المانشو وانضموا إلينا كانت مداركهم قاصرة وكانت الأواصر بينهم واهية ولم يكن لهم يقين متين بشيء من الأشياء، وغاية نفعهم أنهم وسيلة سلبية لا يعتمد عليهم بحال من الأحوال في العمل الجدي لأغراض الثورة.

مضى من سنة 1895، أي من عهد هزيمتنا الأولى، إلى سنة 1900 خمس سنوات كانت كلها فترة مشقة وعناء للحركة الثورية الصينية، وانهار ما بنيناه خلال عشر سنوات سواء نظرنا إليه من وجهة أعمالنا الفردية أو وجهة الدعوة العامة، ولم تفلح الدعوة الخارجية إلا قليلا، وحدث كذلك أن المنظمات الملكية نمت ونشطت خلال هذه الفترة، وأوشكت آمالنا أن تتقوض لولا وفاء زملائنا الذين طردوا اليأس عن نفوسهم ونظروا إلى المستقبل قدما في ثقة وشجاعة.

أرسلت شن شاو بو إلى هونج كونج لإصدار صحيفة تنشر الأفكار الثورية، وبعثت بلي كيانج جو إلى مقاطعة شكيانج لتنظيم القوات فيها، ووضعت التعليمات لشن شي ليانج ليشخص إلى هونج كونج وينشئ فيها مكتبا يتولى تجنيد أعضاء جدد للحزب، ولم يلبث جماعة تجديد الصين أن اندمجوا في هيئة واحدة مع المنظمات التي تأسست في إقليم كوانتنج وغيرها من أقاليم وادي اليانجزي.

واتفق كذلك أن ظهرت في ذلك الحين جماعة الملاكمين «البوكسر» بإيحاء من أسرة المانشو، فأنفذت ثماني دول جنودها إلى الصين وباشروا حملاتهم العسكرية، وقررت ألا تضيع الفرص السانحة، فأمرت شن شي ليانج بمغادرة هونج كونج إلى هوشو لتنظيم حركة عصيان فيها، وأنفذت لي كيانج جو إلى يانشن للغرض نفسه، وذهبت أنا إلى هونج كونج مع بعض الضباط الأجانب.

بينما كان هذا الاستعداد يجري مجراه قاصدا أن أصل بحرا إلى موطني للإشراف بنفسي على قوات الأمة الموثوق بها، وتنظيم جيش مدرب ينقذ الصين من مصيرها إلى الخراب، ولكني لم ألبث أن فوجئت بوغد يعترضني ويغري السلطات بتفتيشي وحجزي عن النزول، فلم يتسن لي المضي في خطتي الأولى وعهدت بالتبعة كلها إلى شن شي ليانج في هوشو، وأرسلت إليه ريانج تسويا وين لي تسي وشن شاوبو وغيرهم لمساعدته. وعدت إلى اليابان ثم ذهبت منها إلى فرموزا على نية الاحتيال على دخول الصين، وكان حاكم فرموزا يومئذ (قدامة) ممن يعطفون عطفا شديدا على الفكرة الثورية لاعتقاده أن الفوضى شائعة في ذلك الحين بين بلاد الشمال، فعهد إلى أحد أعوانه في مفاوضتي ووعد في حالة وقوع الاضطراب الخطير أن يمدني بالمعونة.

ووسعت خطتنا الأولى بزيادة الضباط الخبراء؛ إذ كان حزبنا إلى تلك اللحظة قليل الأعضاء من الخبراء العسكريين ذوي الفكرة السياسية، ثم أمرت شن شي ليانج في الوقت نفسه بالعدول عن الخطة الأولى التي كان من مقتضاها البدء بالهجوم على المدينة الكبرى بالإقليم، والتمكن من المواقع البحرية بدلا من ذلك وتركيز قواتنا هناك ثم البدء بعد ذلك بالهجوم. وبادر شن شي ليانج بتنفيذ تعليماتي وأغار بفرقة أكثرها من الفلاحين على جنود الإمبراطورية بسنيانج وشن شوان، وجردها من سلاحها ثم هجم على لونجان وتانشوي يانهو وغيرهما موفقا، حيث كان مما جعل جنود الإمبراطورية تتشتت كلما اقتربت منها طلائعه، ونجح بعد ذلك في احتلال المواقع البحرية من سنيانج إلى هوشو وانتظر هنالك وصولي مع أعواننا ووصول المدد من السلاح والذخيرة.

ولكن حدث على غرة بعد ابتداء حركتنا بعشرة أيام تغيير في الحكومة اليابانية، واتخذ رئيس الوزارة خطة نحو الصين على نقيض الخطة التي سار عليها سلفه ، وحال دون كل اتصال بين حاكم فرموزا والثوار الصينيين، كما منع تصدير السلاح والإذن للضباط اليابانيين باللحاق بجنود الثورة، وقد أخل هذا الطارئ بجميع خططي فأنفذت يامادا وبعض الزملاء إلى معسكر شن شي ليانج لإبلاغه ما حدث كي يتصرف على حسب الظروف، فوصلوا إلى معسكره بعد ثلاثين يوما من بدء الحركة، وكان هنالك جيش من عشرة آلاف قد تجمع وانتظر في لهفة ما يرد إليه من السلاح وكبار الضباط، فلما علموا برسالة يامادا قرروا حل الجيش وعاد شن شي ليانج إلى هونج كونج مع مئات من الزملاء، وضل يامادا طريقه فوقع في أيدي جنود الإمبراطورية وأعدم فكان أول أجنبي فقد حياته ضحية للثورة الصينية.

صفحه نامشخص