فإذا بالواردين على الأبواب يطلبون بل يأمرون، وإذا بهم يتكلمون بأسماء ملوكهم ويناصون برءوس ملوكهم هؤلاء رأس ابن السماء.
ومن سخرية القدر أن تكون يقظة الصين من حرب الأفيون، وقد كان وشيكا أن يدخلها في خدر أعمق من خدر الراحة والغرور.
ولم يكن الأفيون في نشأته آفة صينية كما شاع بين الناس إلى الزمن الأخير.
فما كان الصينيون يزرعون شجرته ولا كانوا يستخدمون ثمرتها في غير العلاج.
ولكن التجارة الأوروبية هي التي جلبته إلى بلادهم من البلاد الآسيوية الأخرى، ولم تفطن حكومة الصين لضرره أول الأمر فسمحت ببيعه وحصلت عليه في موانئها ضريبة الدخول إلى ما قبل نهاية القرن الثامن عشر (1796)، فتهافت عليه الأغنياء وسرت عدواه إلى الفقراء فأقبلوا عليه وبذلوا فيه ثمن القوت وفضلوه على ضرورات المعيشة، فتنبهت الحكومة بعد فوات الأوان وأمرت بتحريمه ومصادرة المضبوط منه في موانئها أو في داخل بلادها، فعمد التجار إلى تهريبه وضاعفوا ثمنه على تجار البلاد الداخلية وضاعف هؤلاء ثمنه على طلابه، وقيل: إن تجار الموانئ تسلموا من المهربين في سنة واحدة (1838) ما قيمته أكثر من أربعة ملايين من الجنيهات، وباعوها بأضعاف هذه القيمة إلى تجار الريف ومدخنيه، وهي ثروة ضخمة إذا لوحظ على الخصوص أن المهربين كانوا يتقاضون الثمن فضة خالصة قبل تسليمه في عرض البحر حيث كانت تجري صفقات البيع والشراء.
وعهدت الحكومة الصينية إلى رئيس من رؤسائها، مشهور بحماسته في حرب هذه الآفة، أن يشرف على شواطئ كانتون ليمنع الوارد منه قبل تهريبه إلى داخل البلاد، وكان الرجل الأمين، واسمه «لين تسي هسو» واليا قبل ذلك على بعض الأقاليم، فاشتد في تعقب المهربين والمدخنين، وعرف له ربات البيوت اللائي فجعن في أزواجهن وأبنائهن هذا الفضل، فكن يحطن به ليلثمن أهداب ردائه حيث وجدنه، فتابع هذه الشدة في رقابته على الموانئ، ولم يقنع بهذا بل أطلق جواسيسه على مخابئ هذه التجارة الخبيثة حتى جمع منها ذات مرة ما يساوي مليون جنيه، فأتلفه علانية على مشهد من الأجانب والوطنيين.
ونشط «لين» في بناء المعاقل والمخافر على الشواطئ والتلال، وأرسل إلى القنصل الإنجليزي يطلب منه أن يسلمه خلال ثلاثة أيام كل ما في المستودعات الإنجليزية من الأفيون المخزون، وأن يستكتب التجار وثيقة يتعهدون فيها بالامتناع عن توريد هذه البضاعة؛ وإلا ضرب الحصار على كانتون وأجلى منها كل تاجر لم يوقع على تلك الوثيقة. فلم يقبل القنصل طلبه، وأجاب على هذا الحصار بمظاهرة بحرية على ثغرة النهر الغربي لإغلاقها في وجه السفن التجارية، ثم أعلنت إنجلترا الحرب على الصين والمفاوضات جارية بين الطرفين، فلم تقو الجنود الوطنية على مقاومة الأسطول، وأرسل البلاط يطلب الهدنة ويذعن لشروط الصلح بين الطرفين، فانعقدت بينهما معاهدة نانكين (1842) التي استولت إنجلترا بموجبها على هونج كونج، وأرغمت الحكومة الصينية على فتح جميع موانئ كانتون للتجارة وتحويل القناصل حق النظر في قضايا رعاياهم بغير استثناء للمهربين وبغير إشارة إلى تحريم تجارة الأفيون، وجوزي الموظف الأمين بعزله وانتداب خلف له ممن يرضى عنهم القناصل والتجار.
ولم تنته مشكلات الأفيون بهذه الحرب الباغية وهذه المعاهدة الجائرة، فقد أعقبتها حرب الأفيون الثانية (سنة 1857) ونشبت هذه الحرب الثانية؛ لأن المراقبين الصينيين حجزوا زورقا يسمى بالسهم
Arrow
ورفضوا إعادته إلى القنصل البريطاني حين احتج على حجزه، وطالب الحكومة الصينية بإعادته.
صفحه نامشخص