والجركسية، فِي كتاب يحصر أخبارهم الشائعة، ويستقصى أعلامهم الذائعة، ويحوى أَكثر مَا فِي أيامهم من الْحَوَادِث والماجريات، غير معتن فِيهِ بالتراجم والوفيات، لِأَنِّي أفردت لَهَا تأليفا بديع الْمِثَال بعيد المنال، فألفت هَذَا الدِّيوَان، وسلكت فِيهِ التَّوَسُّط بَين الْإِكْثَار الممل والاختصار المخل، وسميته كتاب «السلوك لمعْرِفَة دوَل الْمُلُوك» . وَيَا لله أستعين فَهُوَ الْمعِين، وَبِه أعتضد فِيمَا أُرِيد وأعتمد، فَإِنَّهُ حسبى وَنعم الْوَكِيل.
فصل
ذكر مَا كَانَ عَلَيْهِ الكافة قبل قيام مِلَّة الْإِسْلَام اعْلَم أَن النَّاس كَانُوا بأجمعهم، قبل مبعث نَبينَا مُحَمَّد ﷺ، مَا بَين عَرَبِيّ وعجمي، سبع أُمَم كبار هم: الصين وهم فِي جنوب مشرق الأَرْض، والهند وهم فِي وسط جنوب الأَرْض، والسودان وَلَهُم جنوب مغرب الأَرْض، والبربر وَلَهُم شمال مغرب الأَرْض، وَالروم وهم فِي وسط شمال الأَرْض، وَالتّرْك وهم فِي شمال مشرق الأَرْض، وَالْفرس وهم فِي وسط هَذِه الممالك، قد أحاطت بهم هَذِه الْأُمَم السِّت. وَكَانَت الْأُمَم كلهَا فِي قديم الدَّهْر، قبل ظُهُور الشَّرَائِع الدِّينِيَّة، صفا وَاحِد مسمين باسمين: سمنيين وكلدانيين، ثمَّ صَارُوا على خَمْسَة أَدْيَان، وَهِي الصابئة، وَالْمَجُوس، وَالَّذين أشركوا، وَالْيَهُود، وَالنَّصَارَى. فَأَما الصابئة: فَإِنَّهَا الَّتِي تعبد الْكَوَاكِب، وَترى أَن سَائِر مَا فِي الْعَالم السُّفْلى الْمعبر عَنهُ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا ناشيء وصادر عَن الْكَوَاكِب، وَأَن الشَّمْس هِيَ المفيضة على الْكل. وَهَذَا الدّين أقدم هَذِه الْأَدْيَان، وَبِه كَانَ يدين أهل بابل من الكلدانيين، وإليهم بعث الله نوحًا وَإِبْرَاهِيم، صلوَات الله عَلَيْهِمَا. وَكَانَت الصابئة تتَّخذ التماثيل من الجواهبر والمعادن على أَسمَاء الْكَوَاكِب وتعبدها، فتصلى إِلَيْهَا وتقرب لَهَا القرابين، وتعتقد أَنَّهَا تجلب النَّفْع وتدفع السوء. وَبقيت مِنْهُم بقايا بأر ض السوَاد من الْعرَاق وبحران
1 / 104