( واعلم) أن كل إنسان إذا وجد نفسه في رتبة وتأمل أحوالها بعين بصيرته وأحوال غيره من الناس ، وجد نفسه في رتبة يشركه فيها طائفة منهم ، ورجد فوق رتبته طائفة هم أعلى بجهة أو جهات ، ووجد دونهما طائفة هم أوضح منه بجهة أو جهات ، لأن العظيم منهم وإن وجد نفسه في محل لايرى لأحد من الناس في زمانه منزلة أعلى من منزلته ، فإنه إذا تأمل حاله وجد في الناس من يفضله بنوع من الفضبلة ، وكذلك الوضيع الخخامل يجد من هو أوضع مه بنوع من الصفة إذ ليس في أجزاء العالم ما هو كامل من جميع الجهات ، فانتفاع المرء بالسيرة الصالحة بين هؤلاء الطبقات الثلاث .
أما العظماء فليقرب من مرتبتهم وأما مع الأكفاء فليفضل عليهم وأما الأوضعين قليلا فلاينحط (1) إلى رتبهم ، ونقول ، إن أنفع الأشياء التي يسلكها الإنسان فيما تقدم هو أن يتأمل أحوال الناس وأعمالهم وتصرفاتهم مما يشاهد ويسمع ويقسم النظر فيها ويميز بين محاسنها ومساوئها ، وييين النافع لهم والضار منها ويجتهد حيئل في التمسك بمحاسنها لينال من منافعها مانالهم ، وفي التحرز من مساوئها ليأمن مضارها ويسلم مثل ما سلموا .
وليعلم أن المقصود من العبادات والطاعات . والتخلق بجميل الأخلاق ، انقطاع النفس عن عالم المحسوسات وإقبالها على عالم الروحانيات حتى إن الإنسان عند الموت يفارق من المنافي إلى الملائم ، ومن قصد باستعمال الطاقات والعبادات غير ذلك فقد أحكم العلاقة مع عالم المحسوسات وبالغ في الفرار من عالم الروحانيات فعند المفارقة ينتقل من الملائم إلى المتافي ، نعود بالله من ذلك ونسأله أن ينظمنا على ابتغاء رضوانه ويلم شعثنا بضروب إحسانه ، وليختم أعمالنا برحمته وغفرانه ، ويسهل علينا طلاب ما أعده لأوليائه إنه على كل شيء قدير.
قد ذكرنا فى أول هذا الفصل أن العمل المطلوب من الإنسان ينقسم إلى ثلاثة أقسام وبيناها هناك ، وسنفرد الآن كل قسم ونتكلم عليه وبا لله سبحانه وتعالى المستعان وعليه التكلان ولا حول ولاقوة إلابه
(القسم الأول في سيرة الإنسان في)
صفحه ۷۴