سلطان محمد فاتح
السلطان محمد الفاتح: فاتح القسطنطينية
ژانرها
وكانت أقوى هذه القوات جميعا وأبقاها قوة الأتراك.
لقد أجلت قوة المغرب الأقصى زوال الإسلام من الأندلس (إسبانيا) مدة من الزمن، وأنقذت قوة الأتراك وقوة مصر الإسلام من الصليبيين ومن التتار، وإلى هاتين القوتين يرجع الفضل في إحياء الإسلام.
وقضت قوة الأتراك العثمانيين على آخر دولة مسيحية في الشرق الأدنى، وهي قوة الدولة البيزنطية على يد السلطان محمد الثاني باستيلائه على مدينة القسطنطينية، ولئن كان الإسلام قد خسر عاصمة عظيمة بسقوط بغداد على يد التتار، فلقد أقام السلطان محمد الفاتح عاصمة جديدة للإسلام في أعظم مدن المسيحية. •••
جدد الأتراك قوى الإسلام وأكسبوها حيوية جديدة من حدود الصين ووسط الهند إلى الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط وبحر الأرخبيل. لقد استطاع الأتراك فتح آسيا الصغرى لسلطان الإسلام السياسي والديني، وإن هجراتهم التي لم تكن تنقطع لمدة أربعة قرون من أواسط آسيا إلى غربيها هي التي صبغت هذه الأجزاء صبغة تركية وأكسبت الإسلام عناصر قوية نشيطة.
عرفت آسيا الصغرى غزوات للعرب وفتوحات من عهد الخلفاء الراشدين إلى قرب أواخر العصر العباسي، هذه الغزوات ما كانت تفتر، وكانت تتجدد كل عام تقريبا في كثير من الظروف. ولكن هذه الفتوحات كانت أشبه بمد وجزر من ناحية العرب ومن ناحية البيزنطيين، فطورا يتوغل العرب في آسيا الصغرى، وطورا يرتدون إلى حدود الجزيرة والعراق.
ولكن الأتراك السلاجقة وحدهم هم الذين استطاعوا تثبيت قدم الإسلام في آسيا الصغرى بعد أن ضربوا البيزنطيين ضربة حاسمة في موقعة منذكرت في القرن الحادي عشر الميلادي.
ومن ذلك الوقت بدأ الإسلام يتغلغل حقيقة في آسيا الصغرى على يد هؤلاء الأتراك السلاجقة ومن تبعهم من القبائل التركية، ولم تستطع كرات البيزنطيين المتكررة ولا هجمات الصليبيين العنيفة أن تزحزح الإسلام من قواعده في آسيا الصغرى بصفة دائمة، بل بالعكس انتشر الإسلام، ودخل عدد كبير من السكان في الدين الجديد أفواجا، بحيث لم يأت القرن الثالث عشر إلا وقد عم الإسلام وأصبح القوة المتفوقة في آسيا الصغرى، وعبر التجار والجنود المرتزقة من الأتراك إلى أوروبا، وإلى القسطنطينية ذاتها حيث شاهدوا أعظم مدينة على سواحل البحر الأبيض، وأجمل مدينة اختطها يد الإنسان تشرف على قارتين وبحرين، وبهرهم غناها وفخامتها وموقعها الممتاز، وودوا لو أصبحت المدينة الخالدة على ضفة البوسفور معقلا من معاقل الإسلام، عاصمة لملكه وملاذا لأهله. •••
ولكن السلجوقيين ما كانوا مستطيعين القيام بمثل هذه المهمة، وهي أعظم مهمة يستطيع الفاتحون بعد سقوط بغداد القيام بها. فالاستيلاء عليها معناه أكبر انتصار تستطيعه دولة، وسقوطها معناه القضاء على أمة وتحويل مجرى التاريخ العالمي وإحداث انقلاب بعيد الأثر في الحضارة.
وهم لا يستطيعون القيام بمهمة عجز العرب عنها في أقوى عهودهم وأعز أوقاتهم، وإن كانت قد أتيحت للسلجوقيين فرصة لم تتح للعرب من قبل، فالسلجوقيون كانوا مالكين لآسيا الصغرى مقيمين فيها قريبين من القسطنطينية، ولكن قربهم لم يفدهم شيئا، فانقسام دولتهم وتفرق كلمتهم وعدم توحيد جهودهم أضعف من نفوذهم، وجعل من بينهم في آخر الأمر دويلات وشيعا وأحزابا حلفاء للبيزنطيين أنفسهم تعمل في كثير من الأحيان على منافسة زميلاتها، بل والقضاء عليها.
ولكنه بالرغم من ذلك عاش الفرع السلجوقي الذي حكم آسيا الصغرى مدة ثلاثة قرون، استطاع فيها بشجاعته ومهارته السياسية الاستفادة من المنافسة التي قامت بشكل حاد بين البيزنطيين والصليبيين. لقد هزم الأتراك السلاجقة البيزنطيين والصليبيين مرارا، وأقاموا في آسيا الصغرى إلى أن هبطتها قبيلة تركية فارة أمام قوات التتار. كانت هذه القبيلة فئة قليلة تفرعت منها في فترة قصيرة من الزمن الدولة العثمانية.
صفحه نامشخص