سلطان محمد فاتح
السلطان محمد الفاتح: فاتح القسطنطينية
ژانرها
هذه المدينة الخالدة بنيت على تلال سبعة تشرف على شواطئ أوروبا وآسيا، وتنحدر بجمال وروعة إلى بحر مرمرة، وعلى انحدارات هذه التلال لمعت القصور الإمبراطورية.
أم هذه المدينة الناس من كل جانب، وسكنتها أجناس مختلفة، فوصل عدد سكانها في أوج عظمتها المسيحية إلى المليون.
ففيها الإغريق سكان المدينة الأصليين، وفيها الأجانب، فمن آسيويين بلحاهم الممتدة اللامعة وشعورهم السوداء، إلى بلغاريين برءوسهم المحلوقة وسلاسلهم التي تمنطقوا بها، إلى روسيين بملابسهم الفرائية الثمينة، إلى اسكندناويين بوجوههم البيضاء وشعورهم الذهبية المتموجة، إلى أرمينيين وصقالبة، ازدحم فيها الناس من كل جانب وغشيها التجار من كل صوب، المسيحيون منهم والمسلمون فازدحم البنادقة إلى جانب الجنويين والإسبان والفرنسيين والمسلمين من بغداد وسوريا.
ويرى الناظر فيها الجنود المرتزقة بأشكالها المخيفة وصلابتها وخشونتها تسير في الميادين والشوارع الممتدة، من فرنسيين وصقالبة وجرمان وإيطاليين وإسبان، فاختلطت فيها الأديان وتعددت اللغات واختلفت وتباينت المشاعر والإحساسات.
عاشت هذه الأجناس الغريبة فيها جنبا إلى جنب كجاليات أجنبية، بعضها قوي عديد والبعض منزو قليل، عاش البعض في أحياء مستقلة، وتمتعت بعض هذه الجاليات بامتيازات كبيرة فلم تخضع لقوانين البلاد الأصلية ولا لتقاليدها.
وكانت حياة الأرستقراطية في المدينة حياة الأبهة والترف فرفلت في ملابس الحرير يحليها الذهب، وتبخترت على جيادها الفخمة المنتقاة واشتركت في الدسائس وقامت بالثورات.
كانت القسطنطينية في أوروبا مدينة الدنيا والدين؛ فإلى جانب فخامة البلاط الإمبراطوري وقصور النبلاء الجميلة وملاهي الهبودروم والملاعب المكتظة باللاعبين والنظارة، كانت عظمة الاحتفالات الدينية وأبهتها، فلله كانت كنيسة سانت صوفيا، وللدنيا وللهو كانت الملاعب، وحول هذه جميعها دارت الحياة في القسطنطينية.
في هذه المدينة الهائلة تمثلت حياة الدين بأجلى مظاهرها وأروعها وأرهبها، وقامت الدراسات والمجادلات الدينية بنشاط واهتمام وحماس منقطع النظير، فمن الإمبراطور إلى النبلاء إلى رجال الدين إلى التجار، أحب الناس جميعا المناقشات الدينية وشغفوا بها. وكانت هذه المناقشات تنقلب في كثير من الأحيان إلى تنازع شديد وقتال تسيل فيه الدماء، فلم تخل هذه المناقشات والمجادلات الدينية من المطامع والأحقاد الشخصية والرغبات الدنيوية والمصالح الخاصة.
وظهرت في المدينة شتى الاعتقادات من أسماها إلى أدناها، فكان فيها احترام الأولياء والاعتقاد في قدرتهم الربانية ومعارفهم الغيبية، ووثق الكثير من الناس في تنبؤاتهم، وبنوا على توجيهها حياتهم، وانتشرت الخرافات والأساطير وصدقها الجم الغفير من أهالي هذه المدينة الزاخرة.
في هذه المدينة العظيمة كان الاهتمام كبيرا بتشييد الكنائس والأديرة والوقف عليها، فكانت هذه منتشرة في أنحاء المدينة رمزا للإحساس الديني العميق المتأصل في نفوس السكان، وكان رجال الدين والرهبان موضع الاحترام الزائد والإكبار، ولهم تأثير كبير على عقول الناس وسلطة واسعة وقوة حقيقية؛ فلقد اعتقد الناس فيهم قوة إلهية ومواهب ربانية. وكان الأباطرة أنفسهم يظهرون التعلق بالدين ويوقرون رجاله توقيرا كبيرا ويقدسون أماكنه؛ ففي سانت صوفيا التي شادها الإمبراطور جستنيان كان يتوج الإمبراطور، وفيها يحتفل بالأعياد، وهي فوق صفتها الدينية كانت مركزا كبيرا من مراكز الحياة العامة.
صفحه نامشخص