لها من انواع الكيد ، وبما يتمتع به من وسائل القوة والاستقرار في رقعته من بلاد الشام. وما كان معاوية بالعدو الرخيص الذي يجوز للحسن عليه السلام ، أن يتغاضى عن أمره ، ولا بالذي يأمن غوائله لو تغاضى عنه ، وكان الحسن في حقيقة الواقع أحرص بشر على سحق معاوية والكيل له بما يستحق ، لو أنه وجد الى ذلك سبيلا من ظروفه.
واما في « الداخل » فقد كان أشد ما يسترعي اهتمام الامام عليه السلام موقف المعارضة المركزة ، القريبة منه مكانا ، والبعيدة عنه روحا ومعنى وأهدافا.
ولقد عز عليه أن يكون بين ظهراني عاصمته ، ناس من هؤلاء الناس ، الذين استأسدت فيهم الغرائز ، وأسرفت عليهم المطامع ، وتفرقت بهم المذاهب ، وأصبحوا لا يعرفون للوفاء معنى ، ولا للدين ذمة ، ولا للجوار حقا. نشزوا بأخلاقهم ، فاذا بهم آلة مسخرة للانتقاض والغدر والفساد ، ينعقون مع كل ناعق ويهيمون في كل واد. ولا يكاد يلتئم معهم ميدان سياسة ولا ميدان حرب. وحسبك من هذا مثار قلق ومظنة شغب وباعث مخاوف مختلفات.
وهكذا كان للعراق منذ القديم قابلية غير عادية لهضم المبادئ المختلفة والانتفاضات الثورية العاتية باختلاف المناسبات.
وللحسن في موقفه الممتحن من هذه الظروف ، عبقرياته التي كانت على الدوام بشائر ظفر لامع ، لولا ما فوجئ به من نكسات مروعات كانت تنزل على موقفه كما ينزل القضاء من السماء.
وتنبأ لكثير من الحوادث قبل وقوعها ، وكان يمنعه الاحتياط للوضع ، من الاصحار بنبوءته ، فيلمح اليها الماحا. وعلى هذا النسق جاءت كلمته اللبقة الغامضة ، التي اقتبسها من الآي الكريم ، والتي قصد لها الغموض عن ارادة وعمد ، وهي قوله في خطبته الاولى يوم البيعة : « اني أرى ما لا ترون ».
صفحه ۷۴