كانوا في أواخر أبريل، وكان عبد المنعم متعبا بقدر ما كان مبتهجا، بقدر ما كان قلقا. وكان صوت الطلق يترامى من وراء الباب المغلق حادا يحمل كل معاني الألم، فقال عبد المنعم: إن الحمل أتعبها جدا، وبلغ بها درجة من الضعف لا يتصورها عقل، وكأن وجهها لم تعد به نقطة دم واحدة ..
فتجشأ ياسين في ارتياح، ثم قال: هذه أمور عادية، وكلهن سواء ..
وقال كمال باسما: ما زلت أذكر ولادة نعيمة، كانت ولادة عسيرة عانت منها عائشة ما عانت، وكنت متألما، وكنت واقفا في هذا المكان مع المرحوم خليل ..
فتساءل عبد المنعم: هل أفهم من هذا أن عسر الولادة وراثي؟
فقال ياسين وهو يشير بأصبعه إلى فوق: عنده اليسر ..
فقال عبد المنعم: جئنا بحكيمة معروفة في الحي كله، كانت أمي تفضل إحضار الداية التي ولدتها، ولكني أصررت على الحكيمة؛ فهي أنظف وأمهر بلا ريب.
فقال ياسين: طبعا، ولو أن الولادة بجملتها بأمر الله وعنايته.
فقال إبراهيم شوكت وهو يشعل سيجارة: جاءها الطلق في الصباح الباكر، والساعة تدور الآن في الخامسة مساء، مسكينة، إنها رقيقة كالخيال، ربنا يأخذ بيدها.
ثم وهو يردد عينيه الخاملتين في الجالسين عامة، وابنيه عبد المنعم وأحمد خاصة: آه لو تذكر الآلام التي تتحملها الأم!
فقال أحمد ضاحكا: كيف تطالب الجنين بأن يتذكر يا بابا؟
صفحه نامشخص