قال الحمزاوي بحزن: آن لي أن أعتزل، الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ..
وانقبض قلب السيد، فاعتزال الحمزاوي للعمل ليس إلا نذيرا له بالاعتزال، كيف ينهض بأعباء العمل في دكانه وهو على ما هو عليه من مرض وكبر؟ ونظر إلى وكيله في حيرة فعاد الرجل يقول متأثرا: إني آسف جدا، ولكني لم أعد أطيق العمل، ولى ذلك الزمان، غير أني دبرت الأمر فلن أتركك وحدك، سيملأ مكاني من هو أقدر مني ..
إن ثقته في أمانة الحمزاوي قد رفعت عن كاهله نصف متاعبه، فكيف يعود ابن الثالثة والستين إلى ملازمة الدكان من طلعة الشمس إلى مغيبها؟ قال: ولكن اعتزال العمل والقبوع في البيت يسرعان بالإنسان إلى التدهور، ألا ترى هذا في أصحاب المعاشات من الموظفين؟
فقال جميل الحمزاوي باسما: التدهور موجود قبل الاعتزال.
وضحك السيد فجأة كأنما ليداري الحرج الذي شعر به مقدما قبل أن يقول له: يا عجوز يا مكار، أنت تهجرني تلبية لإلحاح ابنك فؤاد ..
فهتف الحمزاوي متأثرا: معاذ الله، إن حالتي الصحية لا تخفى على أحد، وهي السبب الأول والأخير ..
من يدري؟ فؤاد وكيل نيابة ومثله لا يرتاح لبقاء أبيه عاملا بسيطا في دكان ولو كان صاحب الدكان هو الذي مهد له السبيل؛ ليتبوأ مركزه في النيابة. ولكنه شعر بأن تصريحه قد آلم وكيله الطيب فتراجع متسائلا في لطف: متى ينقل فؤاد إلى القاهرة؟ - في صيف هذا العام أو في صيف العام القادم على الأكثر ..
ومضت فترة سكون مشحونة بالحرج حتى قال الحمزاوي مجاريا السيد في لطفه: وإذا أقام معي في القاهرة وجب التفكير في تزويجه، أليس كذلك يا سي السيد؟ إنه ابني الوحيد على سبع بنات، ولا بد من تزويجه، وكلما فكرت في ذلك جرت في خاطري الآنسة المهذبة حفيدتك ..
واسترق إلى وجه السيد نظرة استطلاع ثم تمتم: لسنا قد المقام طبعا ..
فلم يسع السيد إلا أن يقول: أستغفر الله يا عم جميل، نحن أخوان من قديم الزمن ..
صفحه نامشخص