وانقبضت أسارير رضوان وهو يقول: هو الرأي الذي حدثتك عنه من قبل يا باشا. - لا أمل في العدول عنه؟ - لا أظن. - لمه؟
تردد رضوان قليلا ثم قال: شيء عجيب، لا أدري كنهه، ولكن المرأة تبدو لي مخلوقا مثيرا للاشمئزاز ...!
فتجلت في العينين الذابلتين نظرة حزينة وقال: يا للأسف، ألا ترى أن علي مهران زوج وأب؟ وأن صديقك حلمي من أنصار الزواج؟ إني أرثي لك رثاء مضاعفا إذ أنه رثاء لنفسي أيضا، طالما حيرني ما قرأت وما سمعت عن جمال المرأة، غير أني طويت نفسي على رأيي الخاص إكراما لذكرى أمي، كنت أحبها حبا جما، وقد أسلمت الروح بين ذراعي ودموعي تتساقط فوق جبينها وخديها، وكم أود لو تتغلب على متاعبك يا رضوان ...
فقال رضوان وكان يبدو شاردا ساهما: يستطيع الإنسان أن يعيش بلا امرأة ... ليس الأمر مشكلة! وقد لا تبالي تساؤل الناس، ولكن ماذا عن تساؤلك أنت؟ من الممكن أن تقول إن المرأة مثيرة للاشمئزاز، ولكن لماذا هي لا تثير اشمئزاز الآخرين؟ هنالك يركبك إحساس كالمرض، مرض لا تعرف له دواء، فتعتزل العالم به، وهو شر رفيق في الوحدة، وربما أخجلك بعد ذلك أن تحتقر المرأة وإن تكن مضطرا إلى مواصلة احتقارها!
وهنا نفخ علي مهران فيما يشبه اليأس ثم قال: منيت النفس بليلة مرحة جديرة بالوداع!
فضحك عبد الرحيم باشا وقال: لكنه وداع حاج! ماذا تعرف أنت عن توديع الحجاج؟ - سأودعك بالدعاء ثم أستقبلك بالورود والخدود، ويومئذ نرى ماذا أنت فاعل!
فضرب الباشا كفا بكف وهو يقول ضاحكا: إني مفوض أمري إلى الله ذي الجلال ...
51
عند تقاطع شارعي شريف وقصر النيل، أمام مقهى رتز، وفجأة، وجد كمال نفسه أمام حسين شداد! وتوقفا عن السير وكلاهما يحملق في وجه صاحبه حتى هتف كمال: حسين!
فهتف الآخر بدوره: كمال!
صفحه نامشخص