صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان
صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان
ژانرها
أي خاتمة أو نتيجة أو ما نحو ذلك.
هذه هي الأجزاء التي تتألف منها عادة قصة تمثيلية، فأما عدد الإيبيزوديون أو الفصول فلم يكن معينا ولا محدودا في القرن الخامس، ولكن عصر الإسكندريين لم يتجاوز به الخمسة فأصبح هذا قانونا أثبته هوراس في فنه الشعري، كأنه شيء لا يجوز خلافه. ومن هنا نلاحظ أن القصة التمثيلية كانت تقوم على شيئين متناقضين، وكان هذا التناقض نفسه مصدر جمالها وما فيها من روعة. هذان الشيئان هما الوحدة من جهة والاختلاف من جهة. فأما الاختلاف فقد لاحظناه فيما يتعاقب على سمع الجمهور من غناء وحوار وقصص؛ ذلك إلى اختلاف ما يشتمل عليه كل من هذه الأجزاء الثلاثة من معنى، وما يصحبه من حركة، وما يمثله من حادث. وأما الوحدة فهي وحدة الموضوع ووحدة الغرض من كل هذه الأجزاء المختلفة، فقد كان الشاعر يتخير بطلا من أبطال اليونان ويتخير من صفات هذا البطل صفة معينة يحاول إظهارها في أوضح مظاهرها وأشدها تأثيرا في نفسه فيسلك إلى هذا الإظهار طرقا مختلفة متباينة ولكنها تنتهي كلها إلى غاية واحدة، هي وضع هذه الصفة من صفات البطل الموضع الذي قصد إليه. وهناك وحدتان أخريان كان الأدباء في القرن السابع عشر والثامن عشر يزعمون أنهما تكونان مع هذه الوحدة التي أشرنا إليها قاعدة مقدسة من قواعد التمثيل، هما وحدة المكان بحيث يجب أن تقع حوادث القصة كلها في مكان واحد، وبحيث لا يصح أن يمثل المسرح إلا مكانا بعينه، ووحدة الزمان بحيث لا يتجاوز الوقت الذي تقع فيه حوادث القصة يوما واحدا. ولكن درس ما بقي من القصص وما ترك أرستطاليس من القواعد التي وضعها للتراجيديا، يدل على أن الشعراء قد ألفوا ملاحظة هاتين الوحدتين من غير أن يلتزموها. فقد انتقل مسرح التمثيل من دلف إلى أثينا في الأمنيديس، ومثلت قصة أجاممنون في وقت واحد وصول خبر الانتصار بواسطة الإشارات النارية إلى أرجوس، ثم وصول الملك وجيشه إلى هذه المدينة، ثم مقتل الملك. ولا شك في أن هذه الحوادث إذا لم يستغرق تمثيلها إلا ساعات؛ فإن وقوعها يستغرق أياما.
هذه هي أصول التراجيديا ونظمها العامة قد ألممنا بهذا إلماما. فأما تفصيل ما فيها من جمال فني فقد آثرنا ألا نعرض له؛ لأن فهمه يستلزم أن يكون القارئ قد ألم بها وقرأها، فخير أن نترك لما ترجمنا ولخصنا في هذا الكتاب دلالة القراء عليه، وأن نأخذ في ذكر ما يعرف التاريخ من حياة أقدم الشعراء الممثلين المعروفين عهدا وهو أيسكولوس.
حياة أيسكولوس
1
لا يعرف التاريخ الأدبي من حياة أيسكولوس إلا شيئا قليلا؛ لأنه على جلال خطره وشدة أثره في الحياة الأدبية اليونانية قد عاش في عصر قلت فيه العناية بتدوين التاريخ عامة وحياة الأفراد خاصة. ذلك إلى ما أصاب آثار هذا العصر اليوناني من ضياع وفساد جعلاها إلى الظلمة والجهل أقرب منها إلى النور والعلم.
ولد أيسكولوس بن أوفريون «بمدينة أيلوزيس» في أتيكا سنة خمس وعشرين أو أربع وعشرين وخمسمائة قبل المسيح. ولسنا نعرف من طفولته شيئا ما.
ولكن من المحقق أنه تأثر في صباه أشد التأثر بشيئين؛ أحدهما: أخلاق أسرته التي كانت أرستقراطية، تحافظ على منزلتها القديمة من العز والشرف وتكره أن تتبذل فترضى عن هذه الديمقراطية التي أخذت تسود وتمد ظلها في أتيكا أواخر القرن السادس. والثاني: هذه الحياة الدينية القوية التي كانت تملأ مدينة أيلوزيس وتنزلها من بلاد أتيكا خاصة ومن بلاد اليونان عامة منزل المكان المقدس، يحج الناس إليه من كل وجه لتكريم دمتير إلهة الطبيعة الحية الخصبة التي تكفل للإنسان حياته المادية وما فيها من لذة وراحة، ومن طمأنينة وهدوء.
كانت دمتير أشد آلهة اليونان شبها لديونزوس كما قدمنا. فكلاهما امتلأت حياته باللذة والألم، وكلاهما كانت لذته رمزا لخصب الطبيعة وجمالها، وألمه آية لما ينالها من جفاف وذبول في بعض فصول السنة، وكلاهما أقيمت له حفلات امتزج فيها الحزن بالسرور، واللذة بالألم. ووجد فيها الجمهور مفرجا لكربه ومسليا لهمه، وفرصة يألم فيها، فيعلن تأثره بما كان يملأ حياته من شقاء، فينسى ما كان يثقله من بؤس وسوء حال.
وكل ما بين الإلهين من الفرق أن دمتير كانت أنثى فدخل في أعيادها شيء من الألغاز والتكتم غير قليل. أما ديونزوس فكان لا يتستر ولا يستخفي؛ ومن هنا كانت آثاره في الحياة اليونانية أظهر وأوضح، وكان منها التمثيل، بينما انحصرت آثار دمتير في حياة العقل والعاطفة فأوجدت - وحدها أو بمعونة ديونزوس - في نفوس اليونان، هذا الهيام الديني الذي يحمل الإنسان على أن ينسى حياته المادية ووجوده الخاص، ليفنى في إلهه وقتا قليلا أو كثيرا.
صفحه نامشخص