وكان الأتباع القبليون، الذين عرفوا باسم «القزلباش» أو «أصحاب العمائم الحمراء»، يدينون بالولاء الشديد لشيوخهم الصفويين. وعلى الرغم من أننا ليس لدينا أي مصادر تعطينا معلومات عن هؤلاء القبليين، كما هو الحال مع غيرهم من القبليين، فمن خلال شعر مؤسس الإمبراطورية الصفوية الشاه إسماعيل، يبدو أنهم بجلوه بصفته التجسد الحي لله.
36
ونظرا لأن المشروع التنظيمي والعاطفي، المتمثل في تأسيس دولة جديدة وتوحيد شعبها حول حاكم صاحب شخصية جذابة ، لم يكن أمرا مقتصرا على الدول الإسلامية في فترة أوائل العصر الحديث، فربما من المفيد مقارنة «اللاهوت السياسي» للصفويين الأوائل بالتصورات الأوروبية في الفترة نفسها المتمثلة في جسد الملك المقدس.
37
لم يكن تصور الملوك صانعي المعجزات مقتصرا على التجربة الأوروبية فحسب، وظهر بناء على مطالبات سياسية جماعية لقادة المجتمعات الأكثر تعقيدا التي نشأت عبر منطقة أوراسيا في هذه الفترة، واستمر من خلال الأداء الطقسي، وكذلك المعتقد المكتوب، وانتشر من خلال الشائعات التي تتحدث عن القدرات الشفائية الإعجازية للمسة الملكية، وخلد من خلال بناء أضرحة دينية خاصة بالسلالات الحاكمة. واعتراضا على وجهة النظر القائلة إن الشاه إسماعيل زعم أنه الله في صورة بشرية، قيل إن شعره ليس استحضارا لمعتقد جديد متعمد متمثل في التجسد أو «الحلول»، قدر ما هو مجاز شعري لمعتقد قديم أكثر قبولا، متمثل في وصول الصوفي إلى حالة اتحاد مؤقت مع الله من خلال تدمير صفاته الشخصية، فيما يعرف بمفهوم «الفناء».
38
وعلى الرغم من أن أفكار الشاه إسماعيل كانت مشابهة بالتأكيد لأفكار الفترات المبكرة، فإن السياق الريفي والقبلي الذي استخدمت فيه كان مختلفا كثيرا عن السياق الذي شهدنا فيه ظهور المصطلحات والأفكار الصوفية في السابق.
سمحت البيئة الدينية غير المحكومة بالقوانين، التي ظهر فيها الصفويون، باستخدام موارد فكرية من التقليد الصوفي مثل المصطلحات الخاصة بولاية الشيوخ وقدرات الأولياء لخدمة أهداف تعظيم الذات هذه دون وجود معارضة حقيقية. وفي واقع الأمر، يبين عدد من الروايات شبه المعاصرة كيف أن القبليين القزلباش في حالات عديدة التهموا لحوم أعداء شيخهم الشاه إسماعيل.
39
وقد قال أحد السفراء الهنود المسلمين للبلاط الصفوي: «لقد تقرر أنه يجب على كل مؤمن معتقد بين صفوف الغزاة العظماء أن يتناول قطعة من الجسم البشري المشوي كنصيب له. واحتشد جمع مخيف من آكلي لحوم البشر، والتهم الجسم لدرجة أنه لم تبق منه أي قطعة لحم أو عظمة.»
صفحه نامشخص