18
والسبب في ذلك يعود إلى أنه في الفترة ما بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر ظهرت بيروقراطية دينية رسمية، كانت التعيينات فيها - سواء كمدرسين في المدارس، أو وعاظ في المساجد، أو شيوخ في المساكن الصوفية - تتحكم فيها إدارة مركزية تعود إلى مركز الحكم في إسطنبول عاصمة الإمبراطورية العثمانية.
وبفضل وجود هذه الإدارة، تمكن المؤرخون من استخدام سجلات الإمبراطورية العثمانية في جمع بيانات إحصائية عن الحياة الاقتصادية في المساكن الصوفية في كل من إسطنبول والمقاطعات الريفية؛ حيث بدا أن الأراضي والثروة - اللتين كانتا مملوكتين لتلك المساكن - كانتا أكبر بكثير مما كان عليه الحال في المدن.
19
لقد توسع جمع البيانات توسعا كبيرا لدرجة أن جماعات الدراويش المتجولين الخارجين عن الأعراف وجدوا أن مساكنهم أصبحت ضمن نطاق البيروقراطية العثمانية، بل حتى أنشطة الزهد في الدنيا المتمثلة في التسول والتجول أصبحت أيضا مقننة نسبيا في هذه العملية.
20
إلا أن تلك الدولة المتقدمة نسبيا لم تتمكن مطلقا من السيطرة على كل المساكن الصوفية في أراضيها، ولا على كل الأفراد الصوفيين. وربما نظرا لوصول الطريقة النقشبندية متأخرا نسبيا إلى الأناضول، فقد عملت في العموم في الأراضي العثمانية ضمن إطار مؤسسي أقل تنظيما؛ من خلال حلقات غير رسمية في المساجد أو في المساكن الصوفية الممولة من قبل تجار من وسط آسيا، وليست من قبل الأوقاف الممنوحة لهم من قبل الإمبراطورية.
21
وعلى المستوى الفردي، تظهر مسيرة نيازي المصري (المتوفى عام 1694) أنه كان يوجد صوفيون مستعدون لاستخدام نفوذهم الاجتماعي في التعبير عن انتقادهم الواضح للحكام العثمانيين.
22
صفحه نامشخص