مع ذلك، وعلى الرغم من اهتمام الجشتيين الكبير بتجنب ذكر الملوك في كتاباتهم العامة، فإننا نعرف من سجلاتهم الخاصة أنهم لم يتجنبوا على الإطلاق تلقي العطايا الملكية التي سمحت لمؤسساتهم بالعمل.
84
على الرغم من ذلك، لم يكن الملوك المصدر الوحيد للدعم المادي لتوسيع المؤسسات الصوفية في هذه الفترة؛ إذ توجد أدلة كافية على زيادة ثراء بعض الخانقاوات على الأقل من خلال رعاية التجار لها، وإن كانت هذه العملية ما زالت غير مفهومة على نحو كبير. ففي حالة ضريح أبي إسحاق الكازروني الذي يقع على أحد أهم طرق التجارة في إيران في فترة العصور الوسطى، نعلم أن التجار القادمين من مناطق بعيدة مثل الهند والصين، أقاموا في الخانقاه أثناء مرورهم في المنطقة. ووفقا لابن بطوطة الرحالة ابن شمال أفريقيا، في منتصف القرن الرابع عشر كانت قواعد المسكن الصوفي تلزم هؤلاء التجار بالبقاء لمدة ثلاثة أيام على الأقل، وفي هذه الأثناء، كانوا يطعمون يخنة تسمى «كيشكيك» مصنوعة من اللحم والقمح ونكهات دهن الضأن الغنية. وعندما منح التجار نوعا من الضمان الماورائي للمرور الآمن لبضاعتهم، تعهدوا بتقديم مبالغ مالية للولي، والتي كانوا يرسلونها عند عودتهم لموطنهم بأمان إلى كازرون مع التاجر التالي المسافر إلى هناك.
85
وفي المناطق الأكثر جفافا حول مدينة يزد التجارية المركزية الإيرانية بعد ذلك بقرن، كان معروفا بالمثل عن خانقاوات الطريقة النعمتلاهية استضافتها للتجار من بلاد بعيدة، مثل شبه الجزيرة العربية وآسيا الوسطى. وتعويضا عن حقيقة أن الولي المؤسس للطريقة كان مدفونا في مدينة ماهان البعيدة وليس في إحدى الخانقاوات الموجودة في سهل يزد، فقد حاول النعمتلاهيون جذب هؤلاء التجار من خلال تأسيس حدائق مريحة في الخانقاوات للاحتماء من شمس الصحراء، وشيدوا أيضا ضريحا آخر للولي نفسه، الذي كان يمنحهم بركات بالوكالة.
86
وعلى الرغم من أن تلك الأساليب المستخدمة في جذب التجار كانت منتشرة على الأرجح، فإنه يبدو أن المصادر المكتوبة تحدثت أكثر عن رعاية الحكام مقارنة برعاية التجار. مرة أخرى، يجب عدم الحكم على المسألة حكما أخلاقيا؛ فلا توجد مؤسسة دينية يمكنها الاستمرار طويلا دون مصدر منتظم للدعم المالي، وفي الفترة التي نتناولها كانت الثروة مركزة في فئات قليلة في المجتمع. بالطبع، كان يوجد صوفيون تجنبوا أي اتصال مع جماعات النخب، وكانت قبورهم في الأساس ملجأ للفقراء من الحضر والريف، إلا أن هؤلاء الصوفيين المحدودين كانوا يفتقرون القدرة على القراءة والكتابة اللازمة لكتابة النصوص، وكذلك المال اللازم لتشييد الأضرحة؛ ومن ثم كان من النادر أن يظهر هؤلاء الأولياء المناصرون للفقراء في صفحات التاريخ، إلا إذا جذب أحدهم مجموعة جديدة من الأتباع. وحتى عند معرفتنا بأفراد من الصوفيين في هذه الفترة سطروا أنفسهم في التاريخ من خلال جهودهم الأدبية - سواء شهاب الدين السهروردي (المتوفى عام 1191)، أو ابن عربي (المتوفى عام 1240)، أو علاء الدولة السمناني (المتوفى عام 1336) - فإن هذا كان في الغالب نتيجة لقبولهم رعاية وحماية الحكام.
87
وحتى إن لم تكن هذه المساعدة منشودة أو مقبولة، فقد كان من النادر أن يتجرأ أحد الصوفيين على تحدي حكام زمانه على نحو علني. ومن الحالات النادرة في هذا الشأن عين القضاة (المتوفى عام 1131) من بلدة همدان بغرب إيران، الذي كتب من محبسه - إثر اتهامه بالهرطقة - كتاب «شكوى الغريب»، ودافع فيه عن تعاليمه.
88
صفحه نامشخص