على الرغم من أن نظرية الولاية كانت موجودة منذ زمن بعيد، فما أضحى جديدا بحلول القرن الثاني عشر هو عملية تقديس متعددة الطبقات لم تتضمن فحسب نموذجا نظريا للولاية، بل تضمنت أيضا مجموعة أدوات أكثر اكتمالا تمثلت في بناء الأضرحة، وكتابة السير الذاتية، وزيارة أضرحتهم. فما كانت في السابق فكرة بين أوساط المثقفين تحولت إلى أماكن وقصص وأفعال بين أوساط العوام؛ وهذه العملية هي ما نطلق عليها «التقديس».
62
ونظرا لوجود الكثير من مؤسسات القديسين المسيحيين في الغرب الإسلامي، واعتبار المسلمين لها أماكن للزيارة منذ فترة مبكرة، فمن الممكن أن يكون لهذه الممارسات التقديسية وجود في الإسلام منذ فترة مبكرة جدا.
63
وأوضحت الأبحاث الجديدة التي تناولت التاريخ المبكر للإسلام أن تبجيل الأضرحة وآثار الموتى والأشخاص الصالحين له تاريخ طويل لدى المسلمين أكثر مما كان متخيلا في السابق.
64
إلا أنه حتى في حالة وجود تلك الممارسات القديمة، التي من خلالها أولى المسلمون تبجيلا للأضرحة وذكرى القديسين المسيحيين ومؤسسي المجتمع الإسلامي، فما يهمنا - فيما يخص أهدافنا - هو الطريقة التي أصبحت من خلالها هذه الممارسات بداية من القرن الثاني عشر متعلقة على نحو متزايد بالصوفيين. وعند محاولة فهم كيفية حدوث ذلك، نجد أنفسنا مرة أخرى في مواجهة دور الطرق الصوفية كآليات للتناسخ؛ فنظرا لكونها سلاسل نسب ومؤسسات لجمع المال، فقد كانت قادرة على إعادة إنتاج شيوخ جدد في كل جيل، وإمدادهم بساحات عامة يدفنون فيها عند وفاتهم. كان يوجد بطبيعة الحال مجموعات عديدة من المقومات في هذه العملية، وتضمنت إحدى هذه المجموعات المقومات المفاهيمية التي من خلالها كان ينتسب أحد الصوفيين إلى «سلسلة» روحانية، ويعتبر أحد أولياء الله؛ وكانت مرتبة الولاية تتحقق إما من خلال الإنجازات الشخصية (الوعظ، والصلاة، والكتابة) وإما ببساطة بالوراثة من خلال الانتساب لأسر تضم قادة الطرق. وضمت مجموعة مقومات أخرى نشر شائعات متعلقة بالمعجزات التي كانت كثيرا ما تمنح الدعم الرسمي، من خلال كتابة السير التي كان ينقل سردها إلى الوسط الشفهي من خلال عمل المرشدين المحترفين، الذين كانوا يصطحبون الزائرين لزيارة عدد متزايد من الأضرحة.
65
هناك مجموعة مقومات ثالثة تضمنت تكوين طقوس تمكن من خلالها الزائرون من الحصول على «البركة» التي يعطيها الولي، تلك الطقوس التي قد تأخذ - اعتمادا على مدى دمج ضريح معين في شبكات زيارة أوسع نطاقا - طابعا محليا أو عبر إقليمي. وتضمنت مجموعة مقومات أخيرة الآليات المالية التي من خلالها جمع المال لتأسيس الأضرحة التي كانت مركز نشاط التبجيل، والتي بحلول القرن الخامس عشر بدأت تنافس الأضرحة المشيدة للمسئولين السياسيين والحكام.
نظرا لامتلاك الطرق الصوفية قدرا وافرا من المقومات الضرورية المتمثلة في الجاذبية وإحياء الذكرى ورأس المال؛ فقد كانت مؤسسات بالغة الفاعلية في صناعة الأولياء؛ فبعد الدليل المفصل المبكر الذي عرضناه على تجمع تلك المقومات لدى أشخاص مثل أبي سعيد في خراسان القرن الحادي عشر، نجد أنه بعد توسع الطرق، على مدار بضع مئات من السنين التالية، أعيد إنتاج النمط نفسه ليصل إلى مرحلة أدى فيها تقديس الأولياء إلى تخصيص ضواح بأكملها لدفنهم فيها - مثل القرافة في مصر، وشاه زنده في آسيا الوسطى، وخلد أباد في جنوب الهند - حيث تنافس الأثرياء على بناء أضرحتهم بالقرب من أضرحة الأولياء.
صفحه نامشخص