158
وعلى الرغم من أن محور الاهتمام الأساسي لهذا الكتاب هو الأفكار الوجودية المتعلقة بالطبيعة الحقيقية للوجود البشري والوجود الإلهي، فقد هدف فيه فضل الله أيضا إلى التأكيد على أهمية الشريعة في السيطرة على أفعال حتى أقرب أولياء الله. وكما هو الحال في المناطق الأخرى التي تناولناها؛ فقد شهد القرن السابع عشر في جنوب شرق آسيا أيضا محاولات لكبح سلطة أولياء الله الصوفيين الجامحة والعنيدة، من خلال نسخة من المعتقد الصوفي أكثر تقييدا من الناحية الشرعية. وكما ظهر هذا التوجه بالفعل في انتشار كتابات فضل الله، رأيناه أيضا في تعاليم صوفيين من جنوب شرق آسيا مثل نور الدين الرنيري (المتوفى عام 1658)، الذي استغل توليه منصب شيخ الإسلام في آتشيه لمهاجمة العديد من الصوفيين الذين اعتبرهم متهمين بالزندقة، ووثق هذه الاتهامات في كتابه المثير للجدل «حجة الصديق لدفع الزنديق»، وتشير نشأة الرنيري في منطقة كجرات الهندية إلى ضرورة رؤية أفكاره أيضا في ضوء التيارات الأكبر التي كانت تجتاح الهند في عصره، فمن الممكن أن يكون انتقاد الرنيري لتعاليم سلفه الصوفي في آتشيه حمزة الفنصوري (لا سيما ما يتعلق برؤية الفنصوري لوحدة الوجود) معتمدا على الهجوم على المعتقد نفسه، الذي رأينا أحمد السرهندي يشنه في الهند أثناء شباب الرنيري.
159
والأدلة على ارتباط الرنيري بالطريقة العيدروسية أكثر من واضحة، وتنتمي هذه الطريقة إلى منطقة حضرموت في اليمن، وأدى انتشارها عبر المحيط الهندي إلى نشر صوفية ملتزمة بالشريعة.
160
لم يكن العيدروسيون أمثال الرنيري الصوفيين الوحيدين الذين يروجون للصوفية الشرعية هذه في جنوب شرق آسيا في القرن السابع عشر؛ فبعد أن درس الصوفي الآتشي عبد الرءوف السنكيلي (المتوفى عام 1693) في المدينة على يد الصوفي الكردي إبراهيم الكوراني (المتوفى عام 1690)، عاد إلى سومطرة ليدرس منهجا كانت فيه الصوفية غير منفصلة عن دراسة الشريعة والقرآن.
161
وأدت تقوية علاقات جنوب شرق آسيا بشبه الجزيرة العربية في أوائل العصر الحديث أثناء القرن الثامن عشر؛ إلى انتشار هذه الصوفية الشرعية أكثر من خلال حركة مزيد من الصوفيين من حضرموت، ونقل تعاليمهم حتى شمال أفريقيا. وكان هؤلاء الصوفيون الرحالة هم من ربطوا مسلمي الملايو بتيارات العصر الأوسع نطاقا.
162
ويبدو ممكنا أن تكون زيادة تداول هذه الأفكار مرتبطة بزيادة حركة الملاحة البحرية التي صاحبت نمو التجارة في تلك الفترة. وأدى أيضا ازدهار القوة التجارية الهولندية في جنوب شرق آسيا إلى تقديم الإسلام إلى جنوب أفريقيا، عن طريق نفي الصوفي الملايوي الشهير يوسف التاج الخلوتي المقاسري (المتوفى عام 1699) إلى المستعمرة الهولندية في كيب تاون.
صفحه نامشخص