370

سودان

السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)

ژانرها

ولكيما يزيد الموضوع تمحيصا دعت اللجنة الدكتور هرست مدير مصلحة الطبيعيات، ومستر بوتشر مدير قناطر الدلتا إلى البحث في أصول هذا الوقت من السنة، على أن يستقل كل منهما عن الآخر ويتبع أصلح الطرق في رأيه، وطلبت منهما أن يختبرا صحة هذا التاريخ الذي قرره كتاب «ضبط النيل» 18 ياير. ثم ينظرا إلى أي تاريخ يسمح ما يفصل من الماء بعد تشغيل جبل الأولياء بأن تعطى الجزيرة المقادير الإضافية التي تراها اللجنة ميسورة في فصل الفيضان، والغرض من مراعاة تأثير جبل الأولياء التمشي مع الرأي الذي تضمنته الفقرة 4، وهو البحث عن وجود الماء الكافي لجبل الأولياء وما يتبعه من توسيع نطاق الرأي في مصر قبل أن تعطى الجزيرة نصيبها من الماء.

ولقد بنى دكتور هرست بحثه على أرقام سنة 1920، وهي من حيث الماء في شهر فبراير أقل السنين الست من سنة 1919-1920 إلى سنة 1924-1925، وتجد الطريقة التي اتبعها والنتائج التي اهتدى إليها مبينة في الذيل (ح) والرسم رقم 5 الموافق له. ورأي مستر هرست هو أن ترعة الجزيرة في الأحوال الحاضرة - أي بغض النظر عن خزان جبل الأولياء - يمكن أن تعطي المقادير المقررة لها في «ضبط النيل»إلى 22 فبراير في قناطر الدلتا، وهو يقابل 20 يناير في سنار، فإذا اعتبر خزان جبل الأولياء دون مقدار الضائع كان هذا التاريخ 12 يناير في سنار، ويكون 8 يناير إذا عمل حساب هذا الضائع. أما المقادير الإضافية للجزيرة فقد رأت اللجنة إمكان إعطائها للسودان إلى أول يناير في سنار إذا غض النظر عن الضائع، وإلى 27 ديسمبر إذا عمل حساب هذا الضائع.

أما مستر بوتشر فقد اتبع طريقة غير هذه، وهي موضحة في الذيل (ي)، أساسها معدل السنوات الست من سنة 1918 إلى 1919 إلى سنة 1923-1924، والأرصاد في هذه السنين كما قدمنا غاية في التفصيل والصحة، ومما يجدر التنبيه له مقارنة هذه السنين بمعدل عدد من السنين أكبر، والذيل (ي) يدل على أن معدل كمية الماء في ديسمبر ويناير من هذه السنوات الست يعادل 91 في المئة من نظيره في العشرين سنة الأخيرة، كما يدل على أن السنوات الست كلها أقل من معدل العشرين سنة، ورأي اللجنة أن هذه السنوات تصلح أساسا للتقدير.

لا تعلم اللجنة الطريقة التي تتبع في الانتفاع بالماء المخزون في جبل الأولياء، ورأى مستر بوتشر أن هذا الماء يزيد في ماء مصر أثناء الصيف نحو 22 في المائة، فافترض مثل هذه الزيادة في الماء اللازم كمصر في غير فصل الصيف أيضا، والشك قائم في وقوع ذلك بالفعل، لكن لا نزاع في أن هذا الافتراض يجعل التقدير في مصلحة مصر. وعند تشغيل كل من خزان سنار وخزان جبل الأولياء يوجد في الماء ما يسد المطالب كلها إلى 10 فبراير، وهو يقابل 7 يناير في سنار، كما يدل عليه الرسم رقم 6 المعمول به في هذا التقدير، ويبقى بعد ذلك 40 مليونا، وهي الآن تنساب في البحر.

وفي هذا الرسم أيضا بيان الأثر الذي يحدثه سحب مقدار إضافي من الماء قدره 80 مترا مكعبا في الثانية بعد سحب المقرر لترعة الجزيرة بمقتضى كتاب (ضبط النيل)، وبعد زيادة المنزرع من أراضي مصر على أثر إنشاء جبل الأولياء، ولا يغيبن عن الأذهان أن هذا القدر الإضافي يمكن سحبه إلى 5 فبراير في قناطر الدلتا، وهو ما يقابل 2 يناير في سنار دون التعدي على الماء المستعمل للآن في الري، ويبقى بعد ذلك تصرف قدره 75 مليون متر مكعب للملاحة في مصر وقت سد ترعها.

لبيان الحالة في هذا الفصل من السنة وعلاقتها من حيث الوقت بالحالة في سنار بطريقة أخرى قد أعد الرسم رقم 7، وفيه التصرف اليومي لفرعي النيل في يناير وفبراير في السنوات 1913-1916 و1920-1923، وهي أقل السنين فيضانا. كذلك بين فيه مقادير الماء الذي يخزن في أسوان. فالرسم إذن يصور الحالة في هذا الفصل تصويرا لا بأس بمبلغه من الكمال، وقد أثبت فيه أيضا التاريخان 31 ديسمبر و28 يناير، كلاهما عند سنار، وروعي في إثباتهما ما يلائم من زمن انتقال الماء.

وليلاحظ أن كلا من التقدير المذكور في الفقرة «60» فيما يتعلق بالسنين الماضية البعيدة والتقدير الأول الذي عمله مستر هرست، كلاهما ينزع إلى تأييد الترتيب الذي جعل ترعة الجزيرة يستمد الماء من النهر إلى 18 يناير. وفي كل من هذين التقريرين قد غض النظر من تأثير خزان جبل الأولياء، على حين أن ما جاء بالفقرة 40 من أن مشروع الجزيرة لا يختص بأولوية في الحقوق يقتضي أن لا يقل جبل الأولياء، وأن يعمل حساب المشروعين معا. في هذه الحالة يكون التاريخ على حساب مستر هرست 8 يناير. واللجنة وإن أخذت بالرأي الذي أبدته في الأولوية لا تقبل أن تذهب إلى حد القول بتطبيق هذا الرأي على الماضي، وجوب تعديل أساس كل مشروع ثم تبعا لما يجد من قاعدة أو معلومات أو طريقة تقدير.

ولنرجع إلى تقدير مستر بوتشر، ويوجه النظر إلى أهمية إقامة السدين في هذا الوقت من السنة. هذه العملية تستدعي مقادير عظيمة من الماء بها يبقى في فتحة السد تيار يكفي لسد ماء البحر عن مجرى النهر. والسد الآن يكون في فبراير في أغلب السنين، لكن تشغيل خزان جبل الأولياء ومشروع الجزيرة ستنجم عنهما زيادة الماء المأخوذ من النهر، ولم يقم السدان قبل موعد إقامتهما الآن، فلا مندوحة عن أن تؤخذ المقادير اللازمة لصد ماء البحر من الماء المخزون.

ومتى بكر بإقامة السدين أمكن الانتفاع بالماء المستعمل الآن في صد ماء البحر في شؤون الري في هذا الوقت، والواقع أن هذا القدر داخل في ال 140 مليونا التي ذكرناها في الفقرة 64 وقلنا إنها في متناولنا بعد 7 يناير (تاريخ سنار)، وهو التاريخ الذي فيه أثر تعجيز الماء عن المطلوب. والترتيب المقرر في (ضبط النيل) يقتضي أن يكون لمشروع الجزيرة من ماء النهر 69 مليونا أو ما يقرب من أن يكون بالضبط نصف ال 140 مليونا التي في يدنا، وعلى هذا فيتغير زمن إقامة السدين، وهو على تقدير مستر بوتشر يصحب التوسع في الري لا محالة. لا يكون القسط الأول من الماء اللازم للجزيرة مستمدا من الماء المستعمل الآن في ري مصر، وإن كان هذا القسط يؤخذ من تصرف النهر حتى 18 يناير، واللجنة ترى في هذا التقدير تأييدا للرأي القائل بعدم تغيير التاريخ الذي تقرر، وهو 18 يناير فيما يتعلق بمشروع الجزيرة.

أما التاريخ الذي إليه يمكن سحب المقادير الإضافية فنتائج البحثين متفقة فيه اتفاقا لا بأس به؛ إذ هو في أحدهما 28 ديسمبر وفي الثاني 2 يناير (سنار)، ورأي اللجنة أن يبقى سحب المقادير الإضافية إلى 31 ديسمبر، ويهمنا في هذا المقام أن نبين أن التطهير وغيره من الأعمال تقتضي في مصر سد الترع كل سنة قبل نهاية ديسمبر، وفتحها في أوائل فبراير. أما التواريخ التي فيها فتح الترع فعلا فتتوقف على الفراغ من الأعمال التي لأجلها سدت الترع. وسد الترع هذا ضروري في كل سنة، ولا بد من حصوله في هذا الفصل لأن أحوال القطر تأبى حصوله في غيره؛ فهو إذن من أخص مظاهر الري في مصر. وفتح الترع بعد سدها كما قدمنا هو الذي يعلل سرعة اختفاء زيادة الماء في مصر في فبراير، كما يعلل حصول نقص الماء في تاريخ يكاد يكون ثابتا. لهذه الاعتبارات ترى اللجنة أن ترعة الجزيرة لا تأخذ من ماء النهر مقدارا ما إضافيا بعد الوقت المقابل لفتح الترع في مصر.

صفحه نامشخص