359

سودان

السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)

ژانرها

سد مكوار أو سد سنار على التسمية الحالية، وتتبعه ترع تروي 300000 ألف فدان في الجزيرة. (ج)

قنطرة عند نجع حمادي.

فالمشروعان الأول والثالث لم ينفذ منهما شيء لأسباب هي: الحرب أولا ثم الصعوبات المالية وغير المالية.

ثانيا: أما المشروع الثاني فتم واستعمل في يولية سنة 1925، وزادت نفقاته كثيرا عما كان مقدرا لها. فحكومة السودان وهي المسئولة عن عواقبه المالية راغبة في زيادة المساحة التي يرويها هذا المشروع كي تقلل من خطر التعرض لفشله ماليا وتوجد لمصادر الثروة في السودان مجالا أوسع.

كان من أهم الاعتبارات في برنامج هذه المشروعات الثلاثة وجوب إنجازها، بحيث تستعمل كلها في آن واحد، لكن الأمر الذي لا مندوحة لهذه اللجنة أن تواجهه هو: أن حكومة السودان قد فرغت من أعمال الري الصناعي اللازم لثلاثمائة ألف فدان في الجزيرة، وتريد أن تخطو بعد ذلك خطوة أخرى. على حين أن مصر لم توفق بعد إلى تنفيذ نصيبها من برنامج المشروعات الأول، غير أن الحكومة المصرية قد قطعت في الفترة التي انقضت منذ عطلت أعمال اللجنة شوطا لا بأس به في سبيل تنفيذ مشروعاتها؛ إذ أقرت سد جبل الأولياء وإنشاء قناطر نجع حمادي، وخطت خطوة في سبيل تنفيذ مشروع السدود.

أما فيما يتعلق بالثلاثمائة ألف فدان فقد تغيرت الحالة بالمكاتبات التي دارت بين الحكومة المصرية والحكومة البريطانية في سنة 1924 وسنة 1925. ومن هذه المكاتبات المذكرتان الأخيرتان اللتان أعقبهما تكون هذه اللجنة، وتجدهما في الذيل من هذا التقرير.

بهاتين المذكرتين فكت القيود التي وضعت في سنة 1920 لتحديد الثلاثمائة ألف فدان على أن يبحث من جديد عن طريقة لتسوية مسألة التوسع في ري أراضي الجزيرة. (5) اختصاص اللجنة

كانت مهمة لجنة مشروعات النيل في سنة 1920 فحص مشروعات معينة وإبداء الرأي فيها، ومن هذه المشروعات ما كان العمل جاريا فيه، ومنها ما كان موضع النظر في وزارة الأشغال العمومية. أما اللجنة الحالية فلم تبلغ مهمتها هذا المبلغ من التخصص؛ إذ لم يطلب منها سوى أن تقترح أسلوبا للري تراعي فيه كل المراعاة حقوق مصر ومصلحة مصر. فهي على هذا قد أطلقت من كل قيد في اختيار ميدان عملها وتحديد وجهة أبحاثها ومدى هذه الأبحاث والمنهج الذي تسلكه في وضع قراراتها.

إن المعلومات المجتمعة في كتاب ضبط النيل والمشروعات التي بحثت فيه قد تناولت مجالا واسعا جدا هو ما يمكن أن يصل إليه الري من التقدم إذا نفذت سلسلة من المشروعات فيما بين البحيرات الأفريقية الكبرى والبحر الأبيض المتوسط، وتصدت للمنتظر في المستقبل البعيد كما تصدت للميسور في زمن قريب. وقد أيدت لجنة مشروعات النيل ذلك كله. أما اللجنة الحالية فلم تتعرض لمثل هذا التوسع الذي يأباه ضيق الوقت المحدد لها ولم تر أنها مطالبة بالخوض في القواعد التي تتبع في قسمة الماء بين الفريقين المنتفعين به، بل اقتصرت على بسط الاعتبارات التي كانت رائدها في استنباط آرائها.

إن السوابق نادرة في هذه المسألة، مسألة قسمة الماء، والعرف فيها غير مطرد، وهذه اللجنة لا تعرف نظاما عاما متبعا ولا عرفا مقررا يمكن أن يجعل قاعدة للفصل في مسألة الماء الذي يشترك في الانتفاع به وحدات عدة. على أن الحالة التي نحن بصددها لا تخلو من عوامل خاصة بين تاريخية وسياسية وفنية من شأنها أن تجعل القواعد المتبعة في غير النيل غير صالحة في حالة النيل والتقيد بها غير وجيه. ولما تأملت اللجنة الأحوال التي اكتنفت تشكيلها، ونظرت في ماضي المسألة التي تعالجها وفي دورها الحالي، استقر رأيها على أن تجعل غايتها إعمال الحيلة في استنباط تسوية ممكنة التنفيذ لا تغفل ما يلزم لحالة الري القائمة الآن، ولا تتعارض مع برنامج التوسع الذي تسمح به الحالة الراهنة والحالة التي تجد في المستقبل القريب، على ألا يكون في هذه التسوية مساس ما بالحالة في المستقبل البعيد.

صفحه نامشخص