سودان
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
ژانرها
قال الأديب سامي تادرس بشاي ما يلي:
تحتفل الطائفة القبطية الكريمة بالنيروز، وهو رأس السنة المصرية القديمة وسنة الشهداء التي اتخذها المصريون مبدأ لتاريخهم من سنة 284 ميلادية، وهي سنة الضحايا الكبرى التي جاهد فيها الأقباط بثبات عجيب أدهش الإمبراطور دقلديانوس الذي أعمل السيف والنار، واستخدم كل وسائل التعذيب في الأقباط ليحملهم على ترك المسيحية والعودة إلى الوثنية، فأبوا إجابته إلى ما طلب.
وإذا أقبل النيروز اليوم فإنه يأتي مملوءا بالذكريات التي تثير الأشجان، غير أنها ذكريات تعتز بها الكنيسة القبطية. وإذا كان الشرق بلد الشهداء فتكون الديار المصرية البلاد التي استشهد فيها أكبر عدد من الشهداء، حتى لقد قالت السيدة «بوتشر» الإنكليزية - مؤلفة كتاب تاريخ الأمة القبطية وكنيستها: «إن وجود قبطي أرثوذكسي إلى الآن يعد من عجائب الدنيا السبع.»
ولا شك في أن الأقباط الذين يعرفون لشهدائهم قيمتهم وقدرهم لا يتركون يوم النيروز يمر دون أن يتجاذبوا أطراف الحديث في سيرتهم الطاهرة، فيذكرون أولئك الشهداء الذين تشبثوا بعقيدتهم وصبروا على كل ما أصابهم من أجلها؛ لأنهم كرهوا أن يدينوا بدين الرومان الباطل، وأنفوا أن يذعنوا لهم في عالم الجسد وعالم الروح وصمدوا لهم حتى أصبح دينهم دينا لروما عاصمة الدولة الرومانية، وسلطوا أيدي الرومان على معابد الرومان يهدمونها بأيديهم كما هدموا من قبل معابد المصريين المغلوبين، ويذكرون أيضا أن دماء أولئك الشهداء التي سفكت حبا بالسيد المسيح هي بدار الكنيسة.
انتشرت الديانة المسيحية انتشارا عظيما تبعا لتعاليمها السامية ليس فقط في أملاك الدولة الرومانية ومستعمراتها، بل في روما نفسها عاصمة الدولة ومقر الإمبراطورية، وذلك لأسباب كثيرة أهمها:
أولا:
ضعف الدين الروماني الوثني الذي كان فيه طقوس وتقاليد منافية للعقل، وكان الغرض من تلك الطقوس والتقاليد اتقاء شر الآلهة واستجداء خيرها.
ثانيا:
ضعف تأثير التعاليم الفلسفية التي قام بنشرها فلاسفة الرومان، ولكنها لم تنفذ إلى قلوب العامة، ولم تبلغ منها ما يمكن أن يبلغه دين كالدين المسيحي يعلم الوحدانية وحب الله والناس، ويقدر المساواة بين الخلق جميعا. غير أن انتشار المسيحية لم يرق حكومة الدولة الرومانية ولم ترض عن ذلك معتقدة بأن الدين الجديد ينقض الأسس التي قام عليها المجتمع الروماني، وأن مبادئ هذه الديانة تهدد مبادئ كيان الإمبراطورية وتحض على الفوضى؛ فعمدت إلى اضطهاد منتحليها، فضلا عن أنها وجدت أن المسيحيين لم يتظاهروا بالإغراق في الولاء لها، ولم يشتركوا في الحفلات الوثنية، ولم يقدموا القرابين للأباطرة إظهارا لخضوعهم ودلالة على ولائهم، ورفضوا أن يعبدوا تماثيل الأباطرة المنصوبة في المعابد؛ إذ كانت هذه العبادة فرضا على الجميع؛ فعدت الحكومة هذا الرفض خيانة وعصيانا، وحملها ذلك على اضطهاد المسيحيين وعدهم فئة خارجة على الجماعة.
وكانت المسيحية قد دخلت الديار المصرية في القرن الأول للميلاد على يد مرقس الرسول - مؤسس الكنيسة القبطية أو الكرازة المرقصية - الذي استشهد في الإسكندرية، فوجدت في مصر أرضا خصبة؛ إذ كانت أول أرض قوي شأنها فيها ودخل فيها أناس كثيرون، وكان عدد أتباعها يزداد كل يوم، كما كان اعتقادهم فيها يقوى شيئا فشيئا؛ إذ فقدت العبادات الوثنية القديمة سلطانها على عقولهم، خصوصا أنهم وجدوا في الدين الجديد عقيدة الحياة الأخرى - وهي من أعظم عقائد المصريين منذ عهد الفراعنة. كما أنهم كانوا شعبا مستعبدا له في تعاليم المسيحية سلوى.
صفحه نامشخص