سودان
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
ژانرها
الرجل الإنكليزي هادئ من الجهة العقلية، ولديه حب عميق للحرية. ولقد كانت هاتان الصفتان سببا في اتخاذه سياسة البطء لا في السياسة فحسب بل في التعليم كذلك». وهو منعزل بطبيعته يحب العزلة والوحدة، لا يحادثك إلا إذا تعارف بك. وقد يكون هذا الانعزال ناشئا عن الحياء والخجل. وإن حادثك فلا تخرج محادثته في الغالب عن الجو، والجو لحسن الحظ كثير التغير والتقلب بإنكلترا؛ فمن اعتدال في الطقس إلى ضباب أو مطر أو برودة، أو عاصفة أو رعد وبرق. وإذا زالت الكلفة وذهب الخجل تحادث معك في أي موضوع كالخيالة والتمثيل والألعاب الرياضية والموضوعات الأدبية والاجتماعية. يتجنب الأمور الشخصية فلا يسألك عن مقدار ما يمنحك أبوك في الشهر ولا عن مقدار ما تنفقه أو تدفعه للسكنى أسبوعيا - كما يسأل الفضوليون حيثما يرونك أو يعرفونك أول مرة. ويميل الإنكليزي دائما إلى التحفظ في الجواب فلا يجيب إجابة الجازم المتحقق، ولكنه يجعل للشك دخلا في كل ما يقوله، ويجيب دائما بكلمة «أظن، أو ربما» بعكس الرجل الفرنسوي فإنه يميل كثيرا إلى الجزم والتخمين.
والإنكليز معروفون بحبهم للمحافظة على القديم. وفي إنكلترا تندر العجلة في تنفيذ نظرية من النظريات أو مشروع من المشروعات في التربية والتعليم، فبينما تحاول الولايات المتحدة بأمريكا تجربة طائفة كبيرة من طرق التعليم والنظريات الحديثة - وقد لا توافق على شيء منها بعد التجربة وعدم الاستحسان - تجد إنكلترا في هذه الحال مثلا في دور المناقشة والمناظرة في طريقة واحدة من هذه الطرق؛ لأن إنكلترا تخاف الخسارة وضياع الوقت. أما الولايات المتحدة فلا تبالي بما تفقده في سبيل البحث والتجربة، ولذا تجدها اليوم تقود العالم في العلم والاختراع والصناعة، وقد ساعدها غناها على هذا التقدم والإقدام. فالمحافظة على القديم في إنكلترا لها فوائد؛ ولكن يجب ألا ننسى أن لها أيضا كثيرا من المضار، فإنكلترا تميل إلى الوقوف عند حد ما وهي بطيئة في الإصلاح؛ لأنها لا تستفيد في الحال مما يقدمه لها المفكرون وما يظهره المصلحون من أبنائها، ولا تشجع البحاثين والمخترعين تشجيع الولايات المتحدة لهم، وإن ولع إنكلترا بالمحافظة على ما لديها يظهر جليا في القوانين المختلفة للتربية التي وافق عليها مجلس النواب الإنكليزي، فلا تجد مطلقا حذف قانون من القوانين برمته واستبداله بقانون آخر، بل تجد أن كل قانون هو تعديل للقانون السابق للتوفيق بينه وبين الرأي الجديد الذي يراد إدخاله. ولا يشك أحد في أن قوانينها في التربية ثابتة.
ومع ذلك حدث تغيير في التعليم بإنكلترا فمنذ سنة 1900 ترى المحافظة على القديم أقل منها في الزمن السابق وفي الحق أن التغيرات الحديثة بإنكلترا كثيرة وظاهرة لمن عرفها من قبل ورآها اليوم. ولا يشعر من الإنكليز بالفائدة الكبيرة من هذا التغيير إلا قليل منهم، وكل ما تعرفه الأكثرية هو أن هناك شيئا يجري في عالم التربية، وأن الأمور تتغير بسرعة، وهم يشعرون بالحيرة في الابتداء وهم سكوت لا يتكلمون. ولا ننكر أن النزاع بين المحافظين والمجددين دائم لا ينقطع ولو أنه نزاع صامت.
ويظهر الميل الفطري لحرية الفكر واستقلال الرأي في أحوال كثيرة في التعليم بإنكلترا، وإن قوانين التربية مفتوحة للتغيير البطيء، فحينما تظهر التجارب صواب الفكرة الجديدة ويرى معظم الناس فائدتها، يتغلب الإنكليز على كراهتهم لها. فالحرية الشخصية تخضع دائما للمجتمع حبا في المصلحة العامة، فمثلا كان الذهاب إلى المدرسة اختياريا يذهب إليها من يشاء من التلاميذ. لكن لما تبين أن من المحال تعميم التعليم إذا ظل اختياريا غير هذا النظام وجعل إجباريا، وكان التفتيش الطبي على المدارس والتلاميذ اختياريا ثم غير وجعل إلزاميا. وكان إعداد المدرسين اختياريا أيضا ثم ظهر أن المدرس لا يستطيع أن يقوم بمهنته كما ينبغي إلا إذا نال قسطا من التربية وعرف طرق تدريس المواد؛ فجعل إعداد المدرسين إجباريا وعده من الواجبات لرقي التعليم. وهناك عشرات الأمثلة لأمور كانت اختيارية بإنكلترا وأصبحت إجبارية يطالب بها القانون.
وإن إنكلترا - وإن كانت أمة عملية لا تدين بالنظريات - لا تمتنع من أن تعمل بما يمكن تنفيذه منها. ولا ينكر أحد أن النظرية التي لا يمكن تنفيذها لا فائدة منها ولا خير في العلم إذا لم يصحبه العمل؛ لذا كانت طريقة التعليم في إنكلترا طريقة عملية تتفق هي والأمور العملية التي تحتاج إليها وتتفق مع حاجات الشعب وحياته. ولا يمكن أن نفهم هذه الطريقة منفردة عن التاريخ القومي والحالة الشعبية. والمهم لدى الإنكليز الوصول إلى العمل بأي طريقة كانت من غير عناء كبير وبحث طويل في النظريات. وتاريخ التعليم الإنكليزي مملوء بالأمثلة الدالة على حب العمل وعدم الاكتراث للنظريات. فمدارس إنكلترا إذن مدارس عملية ذات قوة كبيرة وتأثير عظيم في تهذيب الأخلاق وتقويمها وإعداد رجال مخلصين عمليين يثقون بأنفسهم ويشعرون بما وجب عليهم لغيرهم، ولا يفرون من تحمل مسؤولية أي عمل يقومون به، وهي مدارس تربي في كل طفل الثقة بالنفس، فيقول لك دائما: «سأحاول» إذا سألته هل يستطيع أن يقوم بعمل من الأعمال. (4) زيادة أعمار المعلمين الإنكليز بسبب سلوك الطلبة
قالت جريدة إنكليزية تحت هذا العنوان «تقول لك كل أم في إنكلترا»: إن الأولاد في هذا الزمان يفوقون الأولاد في كل جيل سابق في أربعة أشياء: (1)
أنهم أصح أجساما. (2)
أنهم أعظم سرورا بالحياة. (3)
أنهم أجمل طلعة. (4)
أنهم أشد ذكاء بكثير وأحسن سلوكا.
صفحه نامشخص