وكلما زاد عدد السكان كثر ازدياد عدد المواليد على عدد الوفيات طبعا، ولا ريب عندنا في أن متوسط هذه يبلغ سنويا 250000 بدون أدنى مبالغة.
وليس في مديرية المنوفية وهي أخصب أرض مصر قطعة لا تزرع، ومع ذلك فكثير من سكانها يهاجرون؛ لأنهم لا يجدون ما يقوم بأود معيشتهم فيها، على أننا مع هذا نسلم بقاعدة كفاية الفدان الواحد من كل أرض زراعية في مصر لمتوسط معيشة ثلاثة أشخاص، فنقول بناء على هذه القاعدة:
إن الأرض المزروعة في مصر ومقدارها (5600000) تكفي لمعيشة (16800000) نسمة، وبعد تعداد النفوس سنة 1917 بلغ مجموع زيادة المواليد عن الوفيات (871770) بتقدير مصلحة الإحصاء فإذا أضفنا إلى ذلك زيادة سنة 1923 ومقدارها (250000) وأضفنا المجموع إلى إحصاء سنة 1917 يكون عدد السكان في نهاية سنة 1923 (13800000) وبطرحه من (16800000) نسمة، وهو العدد اللازم لاستثمار المساحة المقرر عليها ضرائب يكون الباقي (3000000) نسمة وهو عجز يسد بزيادة السكان السنوية، فإذا سلم لنا أنها (250000) سنويا يتلاشى هذا العجز بعد اثنتي عشرة سنة، على أنني أقول: إن عشر سنوات فقط تكفي لذلك إذا جرت الأمور في مجراها الطبيعي.
وإذا أعدت المساحة الغير مزروعة الآن للزراعة وهي تشمل الجزء الشمالي وإقليم البحيرات للدلتا ومقدارها كما مر (1500000) لزمها من السكان (4500000) وهو مقدار يتلاشى بزيادة السكان في مدى ثمان عشرة سنة، فتكون السنوات اللازمة لملاشاة العجز كله ثلاثين سنة أو بالحري خمسا وعشرين سنة، أي ربع قرن أو نصف العمر الغالب للإنسان، وعلى ذلك نجد أنفسنا أمام إحدى حالتين، وهما:
الأولى:
إذا لم تجفف مياه إقليم البحيرات ولم يعد للزراعة وصلنا إلى آخر حد لاستطاعة القطر تحمل سكانه في مدة 12 سنة على الأكثر.
الثانية:
إذا جففت مياهه وأعد للزراعة وصلنا إلى الحد المذكور في مدة ثلاثين سنة على الأكثر.
وهاتان المدتان حتى أطولهما أقرب إلينا من حبل الوريد، ومعظم النسل الحاضر سيرى بعيني رأسه انقضاء هذه السنين، فماذا نصنع بعدئذ والزيادة مستمرة في السكان؟
لا ريب أنه يجب علينا منذ الآن التفكير في حل لهذه المعضلة الاجتماعية المتوقعة، وهو ما سنفرد له هذا المبحث. الجزء المروي والممكن ريه من القطر المصري على شكل شريط طويل دقيق ينتهي طرفه الشمالي بشكل مروحة عند البحر الأبيض المتوسط، وهذه هي التي تسمى الدلتا.
صفحه نامشخص