أما الأهلون - أولياء التلاميذ - فأنصح لهم ألا يهبطوا العاصمة إبان الامتحانات، وأن يدعوا الطواف واللف والدوران وقرع أبواب أصحاب النفوذ ليعينوهم على المميزين، ليدعوا التفتيش عن هؤلاء بالفتيلة والسراج ليستجدوهم علامة تنول أولادهم شهادة كاذبة.
إن هذه الفوضى التي أراها في كل موسم امتحاني لا تشرف وطنا يردد صباح مساء: «ملء عين الزمن سيفنا والقلم.»
إذا كانت البكالوريا تعطى وتوهب إكراما لسواد عيون هذا وذاك، وإذا كان النفوذ يزج في الثقافة والعلم، نصبح لا سيف ولا قلم ونسقط من عين الزمن.
إن الزمن لا يرحم ولا يحابي.
بواريد فاضية
حملت شهاداتي ورحت أعرضها هنا وهناك حتى كادت تتمزق، وأخيرا نصحني زميل لي قائلا: «سائل المجرب ولا تسأل الحكيم، أنا كنت قبلك، اسمع مني واعمل مثلما عملت، صورها، الرسوم الفوتوغرافية أخف حملا وأيسر تداولا.» فحملتها ثاني يوم ورحت إلى المصور ، وما كان أشد دهشته حين رآها! - حقا إنك نابغة! أنت حاصل على كل هذه الأوراق؟! حقيقة إنها «أوراق اعتماد»، قطيعة! بحياة أبيك قل لي أسماءها؟
فرحت أعد باعتزاز واعتداد: بكالوريا لبنانية، بكالوريا فرنسية، بكالوريا سورية، هاي سكول، سوفومور ... - يا بارك الله! تريد صورا عنها كلها؟ صورة واحدة أو ثنتين. - لا، أريد أن أفتش عن عمل.
فافتكر قليلا وقال: ولماذا التعب؟ العمل موجود، أريد كاتبا يمسك الدفاتر، ويكاتب الفبارك، ويحسن الضرب على الآلة الكاتبة، ما رأيك؟ - لا أحسن مسك الدفاتر ولا الضرب على الآلة. - وماذا تحسن؟
فأطرقت ورحت أحك ذقني وأفكر، ثم لم أقل شيئا.
فحول المصور عني وجهه، ورفعت رأسي أنظر إلى قفاه فإذا بي أرى كل جسده يهتز، حتى نضح منه الضحك وكدت أراه، ثم سمعته يقول ويغص: تعال غدا خذ صور شهاداتك، بعد الظهر تكون حاضرة.
صفحه نامشخص