نعم إن الطفرة محال، وليس المستقبل قصيدة ترتجل، بل هو الماضي تصلح حجارته وتنقح لتلائم الطراز الحديث.
قال هانيكين: «ما من حادثة في الطبيعة كلها إلا تتولد من الماضي، وتكون في الوقت نفسه عاملا مقوما وعلة مفيدة للمستقبل.»
أما نحن وا أسفاه! فكل تجديدنا واهتمامنا في هذه التسمية، كانت تسمى وزارة معارف فسموها وزارة تربية وطنية، ثم كانت للشباب فأمست بلا شباب، واليوم يجب أن يسموها وزارة الجامعة اللبنانية إذا وقعت الكارثة.
إن فكرة الاحتكار والاستغلال متمكنة منا، يفكر كل واحد منا أن يسيطر على العنابر وحقول الاختبار، وهكذا ينقضي العمر ونظل نحن كما نحن، فبدلا من أن نفكر بالإصلاح الجذري نفكر بنقل الأعمال من يد إلى يد، فكأن ميزانية الدولة تركة ميت توزع على بنيه وبناته والأقربين الذين هم أولى بالمعروف ... المخلصون يذكرون المرحوم وفي العين دمعة، ولكن ذوي قرباه متلهون بالجمع والقسمة، وليس فيهم من يقرأ الفاتحة على قبره، ولا من يصلي عن نفسه الأبانا والسلام، شعارنا «إذا هبت رياحك فاغتنمها» ... نفرح بمرسوم ويحزننا مرسوم، وما كانت المراسيم قط تبني وطنا.
مسكين لبنان! فما فيه حد وسط، فهناك إما لبناني يظن نفسه جزءا من أوروبا، وإما لبناني يظن أنه من السكوت وحضرموت، وقد نسيا كلاهما أن اللبناني تمغرب وظل لبنانيا، كما أن العربي أولع بوطن ثان كلبنان هو الأندلس.
يقول المثل: «من يأكل خبز السلطان يضرب بسيفه»، أما لبنان فلا يوضع موضع الحزم فيه إلا التفتيش عن المنافع، فبدلا من أن ننتقي المعلمين ونشبع من اخترناه نحاول أن ننقل صلاحية الوزارة إلى دار معلمين ...
المسيحي يقول «النومن» والمسلم يقول كلمة الشهادتين، والمعلم اللبناني يجب أن يؤمن أولا أنه يبني وطنا، ولكن من أين له ذلك وباله ببطنه الخاوي، وبال الأستاذ الجامعة اللبنانية في كيف يبسط نفوذه على هؤلاء البؤساء؟!
وبعد تفكير عميق أقول كما قال زياد ابن أبيه: «إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله»؛ ولهذا أقول كما قال الحجاج: يا أهل لبنان، إنني لم أجد لكم دواء أدوأ لدائكم من الجندية، فالجندية هي وزارة تربية حقا، هي البوتقة التي تصهرنا جميعا وتطبعنا على غرار واحد فنحس أن لنا وطنا، فكل تربية وطنية تظل عقيمة حتى ينام المواطن شهورا في الثكنة العسكرية يحيي علمه بالسيف والبندقية، المدارس تخرج مخنثين أما الثكنة العسكرية فتطهرهم وتخرجهم رجالا صالحين لحرب بغير النظارات.
ويح للبنان! فشعبه بخلاف الشعوب، للشعوب قلب وليس لها أعين تنظر بها، فهي تحس ولا ترى، والحكومات بالضد فهي تنظر ولا تشعر، ويا ويل أمة شعبها ينظر وحكومتها تشعر! إن الهوة بينهما عميقة.
واعجبا، كيف صارت المدارس التي أوجدها النوابغ الثائرون تخلق للأمة عجزا وقاصرين ومشلولين ومسلولين؟!
صفحه نامشخص