نص الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
سبحان الذي زين رياض الفضائل بأزاهر الأدب الفض، وفضلّ عض عباده باقتناء المآثر على بعض، نحمده على تراكم الآية ونشكره على ترادف نعمآية، ونصلي على افضل مخلوقاته المرسل رحمة للعبادة وافصح من نطق بالضاد، واعترف بسحر بلاغته كل من وافق وضاد. وعلى آله وأصحابه ينابيع الحكم. ومصابيح الظلم وبعد فيقول المفتقر إلى عفو ربه الغني يوسف المشهور بالبديعي لما تشرفت الشهباء بانسار عين الكمال. وعين إنسان الافضال، علم العلم، وطور الحلم. الذي ما طلع نجم في سماء العذالة اسعد من سهيل طلعته ولا سطع كوكب في فلك الايالة ارفع من سماك
1 / 2
رفعته الحاوي من الأخلاق أكرمها وألطفها، ومن الأوصاف أفضلها وأشرفها. فلا مكرمة إلا وهو لها حايزة ولا محمدة إلا وهو بها فايزة ويصدق فيه المدح حتى كإنما، يسبح من صدق المقالة شاعرة، الماجد الذي فضايله لا تحصي، وفواضله لا تستقصي، ومن ذا يقدر على سكر مسيل البحر، وسد طريق القطر، فهو البحر الذي يغترف العلماء من تياره، والبدر الذي يقتبس الفضلاء من أنواره الحسام الماضي أجل موالي الدهر عبد الرحمن نجل الحسام، حرس الله بوجوده الأدب فأنه حليته وزينة وصان بعقابه العلم فانه جنته وصونه، وازدانت منه بمولى أجمع أهل الفضل على توحده في الدهر، واتفق آهل العقد والحل على تفرده بالفخر، وأضحت
1 / 3
سدته المنفذ كهف الفضلاء وحضرته الشريفة مناخ آمال الشعراء. أجبت أن الشرق لخدمته بتأليف كتاب يشتمل على غرر الآداب ونتائج الالباب، لم ينسج فكر علي منواله. ولم تسمح قريحة يمثاله، ليكون وسيلة إلى أن أعد من جملة خدامه. واترف بتقبيل مواطئ أقدامه، فينقذني من شوك الفقر، ويستخلصني من مخالب الدهر فصدتني الأيام عن وجهتي، وعارضتني بعوائقها عن طلب بغيتي وكان مدامه ظل، ورفع إلي أوج مرمه كل. يلهج بقلائد ابن الحسين وتمييزه علي الطايين، ولعمري أن ما قاله هو المعول عليه، والمرجع بعد التأمل الصادق إليه فهممت العزم قبل تفويق ذلك التأليف، وترصيف ذلك التصنيف علي
1 / 4
جمع مختصر يحتوي على ذكر أبي الطيب المتنبي وأخباره ويشتمل على نبذ من قلايد أشعاره خادما به جناب ذلك المولي، رزقه الله سعادتي الآخرة والأولي وأن كنت في إهدائه إلى عالي حضرته، وسامي سدته كمتبضع التمر إلى بعجزه ومهدي الفصاحة إلى أهل الوبرة ونامل المسك راقت صفاء ورقت كل حاشية منها وصدقت معانيها على الفكرة، كأنها من عصى موسى قد اكتسبت فلم تدع، للسوي صنعا ولم تدر، تضمنت نظم أخبار قد انتشرت، لابن الحسين بليغ البدو والحفر. ودونت باسم مولانا الذي برعت، يرح العدالة في أيامه الغور. نجل الحسام الذي ماضي عزيمته، في المشكلات يرى أمضى من القدر مولى كريم السجايا من خلايقه، تخلقت نسمات الروض في السحر. لو كان للزهر من لآلاء سويد، جزء لما احتجبت يوما عن النظر. طالت مدائحه من كل ذي أدب، وهل تطول يد للأنجم الزهر، وإن يقصر مديحي عن علاه فكم، قد أثنى مادح بالعي أو الحصر، أضمرت ذكر اسمه في طي مدحته، إذ كان أشهر في الدنيا من القمر، يا من فضائله من كل ذي بصر، في الشرق والغرب بلاء السمع والبصرة، أبقيت ذكر إنما أسديت في حلب، كالذكر نتلوه في الآصال والبكر. ثم ورد ما قاله حمادي الرواية، وتعالبي الدراية، صاحبنا الشيخ عبد القادر الحموي، وهو بتأليف مولا: البديعي يوسف، تجدد ما لابن الحسين من الفضل، تحلى به جيد الزمان وأصبحت. له نفرة كالروض غودي بالطل. وقد زيد حسنا انه صيغ باسم من، له قلم ما زال أمضى من النصل، يذكرنا ياقوت أدنى حروفه، وكل مثال منه جل عن المثل، سما ربه كثر الهداية والحجر، سماء العلى والمجد والفضل والبدل، حليف التقى نجل الحسام الذي ذهبت، به حلب الشهباء والأب كالنجل، وزحزح عنها ظلمة الظلم وانتفى، على عاتق العدوان وان سيفا من العدل، وابدأ بها بدر الفضائل بازغا، ومن قبله قد كان في صدف الجهل، ومن قبله والله لم نر قاضيا، له سطوة الضرغام في ورع الشبلي، هذا ما اخترناه من التقريضات ولولا خوف الإطالة لذكرناها جميعا فأنه لم يبق فاضل ولا شاعر من أبناء الشهباء ولا من غيرها المقيمين بها إلا وقد كتب تقريضا ومدح به جناب المولى أيده الله تعالى مساعدا لنا في مدحه لقصورنا عني شكر ما أسداه لنا وما يسديه فلا زالت الأفاضل تحت ظلال جوده قايله، والسنة الأقلام على أمد الليالي
بالإفصاح عن محامد قائله، ولا برحت قلوب أعاديه من هيبته خافقة، ورايات عدله المنصورة بالشرائع خافقة، وهذا دعاء يشمل كل إنسان، فيجب أن ينطق به لسان، وقد تم ووقع الفراغ من يسخر، من نسخة، أصله، على يد العبد الفقير الراجي عفو ربه الكريم المنان حسين ابن الحاج عثمان، الحلبي غفر الله زلله، وختم بالصالحات عمله، وذلك في اليوم السابع عشر من شهر رجب الفرد من شهور، سنة أربعة وخمسون وألف أحسن الله ختامها والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد واله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
سبحان الذي زين رياض الفضائل بأزاهر الأدب الغض، وفضل بعض عبادة باقتناء المآثر على بعض: نحمده على تراكم آلائه، ونشكره على ترادف نعمائه، ونصلي على أفضل مخلوقاته، المرسل رحمة للعباد، وأفصح من نطق بالضاد، واعترف بسحر بلاغته كل من وافق وضاد. وعلى آله وأصحابه ينابيع الحكم، ومصابيح الظلم.
وبعد فيقول المفتقر إلى عفو ربه الغني، يوسف المشهور بالبديعي، لما تشرفت الشهباءُ بإنسان عين الكمال، وعين إنسان الإفضال، علم العلم، وطود الحلم، الذي ما طلع نجم في سماء العدالة أسعد من سُهْيل طلعته، ولا سطع كوكب في لك الإيالة، أرفع من سماك رفعته، الحاوي من الأخلاق أكرمها وألطفها، ومن الأوصاف أفضلها وأشرفها، فلا مكرمة إلا وهو لها حائز، ولا محمدة إلا وهو بها فائز.
ويصُدُق فيه المدح حتى كأنما ... يُسبَّحُ مِن صدقِ المقالة شاعُرةْ
الماجد الذي فضائله لا تحصى، وفواضله لا تستقصى؛ ومن ذا يقدر على سكر مسيل البحر، وسد طريق القطر؟ فهو البحر الذي يغترف العلماء من تياره، والبدر الذي يقتبس الفضلاء من أنواره. الحسام الماضي، أجل موالي الدهر، عبد الرحمن نجل الحسام، حرس الله بوجوده الأدب؛ فإنه حليته وزينة، وصان ببقائه العلم؛ فإنه جنته وصونة، وازدانت منه بمولى أجمع أهل الفضل على توحده في الدهر، واتفق أهل العقد والحل على تفرده بالفخر، وأضحت سدته المنيفة كهف الفضلاء، وحضرته الشريفة مناخ آمال الشعراء.
أحببتُ أن أتشرف لخدمته بتأليف كتاب، يشتمل على غرر الآداب، ونتائج الألباب، لم ينسج فكر على منواله، ولم تسمح قريحة بمثاله، ليكون وسيلة إلى أن أعد من جملة خدامه، وأتشرف بتقبيل مواطئ أقدامه، فينقذني من شرك الفقر، ويستخلصني من مخالب الدهر، فصدتني الأيام عن وجهتي وعارضتني بعوائقها عن طلب بغيتي، وكان - مد الله ظله، ورفع إلى أوج مرامه محله - يلهج بقلائد ابن الحسين وتمييزه على الطائيين ولعمري إن ما قاله هو المعول عليه، والمرجع بعد التأمل الصادق إليه.
فصمَّمْت العَزم قبل تفويف ذلك التأليف، وترصيف ذلك التصنيف، على جمع مختصر يحتوي على ذكر أبي الطيب المتنبي وأخباره، ويشتمل على نبذ من قلائد أشعاره. خادمًا به جناب ذلك المولى، رزقه الله سعادتي للآخرة والأولى؛ وإن كنت في إهدائه إلى عالي حضرته، وسامي سدته. كمستبضع التمر إلى هجر، ومهدي الفصاحة إلى أهل الوبر، وناقل المسك، إلى التركوالعود إلى الهنود، والعنبر إلى البحر الأخضر، وكمن ساق إلى البحر نهرًا وأهدى إلى الشمس نورًا، بل كمن أهدى كوز ماء أجاج، إلى بحر فرات عجاج؛ فإنه الهمام الذي جمع صفات الكمال، فلا يباري، وأحرز قصب السبق في مضمار البلاغة فلا يجاري وسميته: بالصبح المنبي، عن حيثية المتنبي.
أخبار المتنبي
هو أحمد بن الحسين بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الملقب بأبي الطيب وكان
1 / 5
والده الحسين يعرف بعيدان السقا.
وكان مولد المتنبي بالكوفة سنة ثلاث وثلاثمائة وكان شاعرًا عظيمًا مشهورًا مذكورًا محظوظًا من الملوك والكبراء. قدم الشام في صباه وجال في أقطارها.
وكان يكتم نسبه. فسئل عن ذلك، فقال: إني أنزل دائمًا على قبائل العرب، وأحب ألا يعرفوني، خيفة أن يكون لهم في قومي ترة.
قال أبو الحسن محمد بن يحيى العلوي.
كان أبو الطيب وهو صبي ينزل في جواري بالكوفة، وكان محبًا للعلم والأدب، فصحب الأعراب في البادية، وجاءنا بعد سنين بدويًا قحًا وكان تعلم الكتابة والقراءة فلزم أهل العلم والأدب، وأكثر من ملازمة الوراقين فكان علمه من دفاترهم.
وأخبرني وراق قال: ما رأيت أحفظ من ابن عيدان
1 / 6
قط، فقلت له: كيف ذلك؟ فقال: كان اليوم عندي وقد أحضر رجل كتابًا نحو ثلاثين ورقة ليبيعه، فأخذ ابن عيدان ينظر فيه طويلا. فقال له الرجل: يا هذا، أريد بيعه، وقد قطعتني عن ذلك، فإن كنت تريد حفظه فهذا يكون - إن شاء الله - بعد شهر. قال: فقال له ابن عيدان: فإن كنت حفظته في هذه المدة فما لي عليك؟ قال. أهب لك الكتاب. قال: فأخذت الدفتر من يده، فأقبل يتلوه، حتى انتهى إلى آخره.
ومثله في قوة الحافظة، ما حكاه الأمير أسامة بن منقذ عن أبي العلاء المعري، قال كان بإنطاكية خزانة كتب، وكان الخازن بها رجلًا علويا، فجلست يومًا عنده، فقال لي: قد خبأت لك خبيئة غريبة ظريفة، لم يسمع بمثلها في تاريخه،
1 / 7
ولا في كتاب منسوخ. قلت: وما هي؟ قال: صبي دون البلوغ ضرير يتردد إلى، وقد حفظته في أيام قلائل عدة كتب؛ وذاك أتى أقرأ عليه الكراسة والكراستين مرة واحدة، فلا يستعيد إلا ما يشك فيه، ثم يتلو على ما قد سمعه، كأنه كان محفوظًا له. قلت: فلعله قد يكون. قال شبحان الله! كل كتاب في الدنيا يكون محفوظًا له! ولئن كان ذلك كذلك فهو أعظم. ثم حضر المشار إليه، وهو صبي دميم الخلقة، مجدر الوجه، على عينيه بياض من أثر الجدري كأنه ينظر بإحدى عينيه قليلًا، وهو يتوقد ذكاء، يقوده رجل طويل من الرجال، أحسبه يقرب من نسبه، فقال له الخازن: يا ولدي، هذا السيد رجل كبير القدر، وقد وصفتك عنده، وهو يحب أن تحفظ اليوم ما يختاره لك، فقال: سمعًا له وطاعة،
1 / 8
فيختار ما يريد.
قال ابن منقذ: فأخترت شيئًا. وقرأته على الصبي وهو يموج ويستزيد، فإذا مر بشيء يحتاج إلى تقريره في خاطره، يقول: أعد هذا، فأرده عليه مرة أخرى، حتى انتهيت إلى ما يزيد على كراسة، ثم قلت له: يقنع هذا من قبل نفسي. قال: أجل، حرسك الله! قلت: كذا، وتلا على ما أمليته عليه، وأنا أعارضه بالكتاب حرفًا حرفًا، حتى انتهى إلى حيث وقفت عليه، فكاد عقلي يذهب لما رأيت منه، وعلمت أنه ليس في العالم من يقدر على ذلك إلا أن يشاء الله؛ وسألت عنه، فقيل لي: هذا أبو العلاء المعري التنوخي من بيت العلم والقضاء والثروة والغناء.
وأعجب من هذه. ما حكى بعض طلبته عنه، قال: كان لأبي العلاء جار أعجمي، فاتفق أنه غاب عن المعرة،
1 / 9
فحضر رجل أعجمي يطلبه، قد قدم من بلده، فوجده غائبًا، فلم يمكنه المقام، فأشار إليه أبو العلاء أن يذكر حاجته إليه. فجعل ذلك الرجل يتكلم بالفارسية، وأبو العلاء يصغي إليه، إلى أن فرغ من كلامه، ولم يكن أبو العلاء يعرف الفارسية، ومضى الرجل، وقدم جاره الغائب، وحضر عند أبي العلاء، فذكر له حال الرجل، وجعل يذكر له بالفارسية ما قال، والرجل يبكي ويستغيث ويلطم، إلى أن فرغ من حديثه، وسئل عن حاله، فأخبر أنه أخبر بموت أبيه واخوته وجماعة من أهله.
ومثل هذه ما ذكره تلميذة أبو زكريا التبريزي: أنه كان قاعدًا في مجلسه بمعرة النعمان بين يدي أبي العلاء، يقرأ شيئًا من تصانيفه. قال: وكنت قد أقمت عنده سنين ولم أر
1 / 10
أحدًا من أهل بلدي، فدخل المسجد بعض جيراننا للصلاة، فرأيته وعرفته، وتغيرت من الفرح. فقال لي أبو العلاء: أي شيء أصابك؟ فحكيت له أني رأيت جارًا لي، بعد أن لم ألق أحدًا من أهل بلدي سنين. فقال: قم فكلمه. فقلت حتى أتمم السبق. فقال: قم وأنا انتظرك. فقمت وكلمته بلسان الأذْرَبية شيئًا كثيرًا، إلى أن سألت عن كل ما بدا لي، أي لسان: هذا؟ قلت: هذا لسان أذربيجان. فقال لي: ما عرفت اللسان ولا فهمته، غير أني حفظت ما قلتما، ثم أعاد على اللفظ بعينه، من غير أن ينقص منه أو يزيد عليه. وهذا من أعجب العجائب، لأنه حفظ ما لم يفهمه.
وحكى عنه بعض أصحابه أيضًا أن جارًا سمانًا كان بينه
1 / 11
وبين رجل من أهل المعرة معاملة، فجاء ذلك الرجل، وحاسبة برقاع يستدعي فيها ما يأخذه منه عند حاجته إليه. وكان أبو في غرفة يسمع محاسبتها. قال: فسمع أبو العلاء السمان المذكور بعد مدة يتأوه ويتململ، فسأله عن حاله، فقال: كنت حاسبت فلانًا برقاع كانت له عندي، وقد عدمتها، ولا يحضرني حسابه، فقال: ما عليك من بأس، أنا أملى عليك حسابه، وجعل يملي معاملته رقعة برقعة، والسمان يكتبها، إلى أن فرغ وقام، فما مضت إلا أيام يسيرة، ووجد السمان الرقاع، فقابل بها ما أملاه عليه أبو العلاء، فطابق إملاؤه الرقاع.
والعلم الفرد في قوة الحافظة عبد الله بن عباس، رضى الله عنهما.
قال أبو العباس المبرد
1 / 12
في كامله: ويروي أن ابن الأزرق أتى أبن عباس يومًا، فجعل يسأله حتى أمله، فجعل ابن عباس يظهر الضجر، وطلع عمر بن عبد الله أبن أبي ربيعة على أبن عباس وهو يومئذ غلام، فسلم وجلس، فقال له أبن عباس: ألا تنشدنا شيئًا من شعرك؟ فقال:
أمِن آل نُعْمٍ أنتَ غاد فُمبْكِرُ ... غداة غَدٍ أم رائحُ فُمهَجَّرُ
بحاجة نفس لم تقلْ في جوابها ... فتَبْلُغَ عُذْرًا والمقالة تُعْذرِ
تَهُمُّ إلى نعم فلا الشملُ جامعُ ... ولا الحبلُ موصول ولا القلب مُقصر
ولا قرب نُعم إن دنت لك نافعُ ... ولا نأيُها يُسْلىَ ولا أنت تَصْبر
وأخرى أتتْ من دُونِ نُعم ومثلُها ... نَهى ذو النهى لو يَرعوي أو يُفكر
إذا زُرتُ نُعمًا لم يَزَلْ ذو قرابة ... لها كُلَّما لاقيته يَتَنَهَّر
1 / 13
عزيزُ عليه أن أمُرَّ ببابها ... يُسِرِ لي الشَّحناء والبْغضَ يُظَهر
ألكنْي إليها بالسَّلام فإنه ... يُشهَّر إلمامي بها ويُنَكَّر
بآية ما قالت غداةَ أجبتُها ... بمَدْفع أكنان أهذا المُشَهَّر
قفي فانظري يا أسْمَ هل تعرفينه؟ ... أهذا المُغيري الذي كان يُذكَر؟
أهذا الذي أطْرَيت نعتًا فلمِ أكُنْ ... وعيشِك أنساه إلى يومِ أقْبرَ
فقالت: نَعَم لا شكَّ غَيَّرَ لونَه ... سُرَى الليل يُحيْني نصَّه والتَّهجُّرِ
لئن كان إياه لقد حال بَعْدنا ... عن العهدِ والإنسانُ قد يتغيرُ
رأتْ رجلا أما إذا الشمسُ عُارضتْ ... فَيَضْحى وأما بالعَشيِ فَيخصر
حتى أتمها، وهي ثمانون بيتًا، فقال له أبن الأزرق: الله أنت يا بن عباس! أنضرب إليك أكباد الإبل
1 / 14
نسألك عن الدين فتعرض، ويأتيك غلام من قريش فينشدك سفهًا فتسمعه؟ فقال: تالله ما سمعت سفهًا فقال ابن الأزرق:
رأت رجلًا أما إذا الشمسُ عارضتْ ... فَيَخزي وأما بالعشيّ فَيخسَرُ
فقال ما هكذا قال، وإنما قال: " فيضحى وأما بالعشي فيحضر ".
قال: أو تحفظ الذي قال؟ قال: والله ما سمعتها إلا ساعتي هذه ولو شئت أن أردها لرددتها. قال: فارددها فأنشده إياها كلها.
ومثلها ما حكاه أبو عبادة البحتري عن أبي تمام، قال البحتري: أول ما رأيت أبا تمام أني دخلت على أبي سعيد محمد بن يوسف وقد مدحته بهذه القصيدة:
أأفاقَ صَبُّ من هوىَّ فأُفيقا ... أم خان عهدًا أمْ أطاع شفيقًا
إن السلوَّ كما زعمت لَرَاحةُ ... لوْ راح قلبي للسلُوّ مُطيقًا
1 / 15
هذا العقيقُ وفيه مَرْأى مُونقُ ... للعين لو كان العقيقُ عقيقا
أشَقيقهَ العَلَمْين هل من نظرةٍ ... فَتَبُلَّ قلباَّ للغليل شقيقا؟
وَسَمْتْك أرْديةُ السماء بديمةً ... تُحيي رجاءً أو تردُّ عشيقًا
ولئن تناول من بشاشتك البلىَ ... طرفًا وأوحش أنسَك الموموقا
فلربّ يوم قد غَنينا نجتلي ... مغناك بالرَّشا الأنيق أنيقا
علَّ البخيلةَ أن تجود بها النَّوى ... والدارَ تجمع شائقًا ومشوقا
كذب العواذلُ أنت أفتكُ لحظةً ... وأغضُّ أطرافًا وأعذبُ ريقا
ماذا عليك لو اقتربت لموعد ... ينئىْ الجوى وسقَيْتنا ترنيقا
غدت الجزيرةُ في جناب محمدً ... ريَّا الجنابِ مَغاربًا وشروقا
بَرَقتْ مخايُله لها وتَخرّقتْ ... فيها عَزَالي جُودِه تخريقًا
1 / 16
صفحتْ له عنها السنونَ وواجهت ... أطرافُها وجهَ الزمانَ طليقا
رفع الأميرُ أبو سعيد ذكرَها ... وأقام فيها للمكارم سُوقا
يستمطرون بدًا يفيضُ نوالهاُ ... فيُغرقُ المحرومَ والمرزوقا
يَقِظُ إذا اعترض الخطوبَ برأيه ... ترك الجليلَ من الخطوب دقيقا
هلاَ سألتَ محمدًا بمحمدِ ... تَجدِ الخبيرَ الصادقَ المصدوقا
وسَل الشُّراةَ فإنهم أشقى به ... من أهل مُوقانَ الأوائلِ موقا
كنا نُكفرُ من أميةَ عُصبةً ... طلبوا الخلافةَ فَجْرهً وفسوقًا
ونقول تيمُ قرّبتْ وعَديُّها ... أمرًا بعيدًا حيث كان سحيقا
وللومُ طلحة والزبيرَ كليهما ... ونُعنّف الصديق والفاروقا
وهمُ قريشُ الأبطحَيْنِ إذا انتموا ... طابوا أُصولا فيهُم وعروقا
1 / 17
حتى انبرتْ جُشَمُ بنُ بكر تبتغي ... إرث النبي وتَدَّعيه حقوقا
جاءوا بِراعيهمْ ليتخذوا به ... عمْدًا إلى قطع الطريقِ طريقا
طرحوا عَباءته وألقوْا فوقه ... ثوبَ الخلافةٍ مُشْرَبًا رَاوقا
عقدوا عمامَته برأسِ قَناته ... ورَأوْه بِرًّا فاستحال عقوقا
وأقام يُنفِذُ في الجزيرة حُكْمَه ... ويظنُّ وعدَ الكاذبين صَدوقا
حتى إذا ما الحيةُ الذّكَرُ انكفا ... من أرْزَن حَنقا يَمُجُّ حريقا
غضبانَ يلقى الشمسَ منه بِهاَمة ... تُغْشي البُروق تألُّقًا وبريقا
أوْفى عليه فظلَّ من دَهَشٍ يظ ... نّ البْرّ بحرًا والفضاءَ مَضيِقا
غَدَرتْ أمانيه بهِ وتمزَّقتْ ... عنه غَيابةُ سُكرِه تمزيقا
طلعتْ جيادُك من رُبَا الجودي قد ... حُمَّلْنَ من دُفَع المنونُ وسُوقَا
1 / 18
يطلبْنَ ثارَ اللهِ عند عصابة ... خلعوا الإمامِ وخالفوا التوفيقا
يرمون خالقَهم بأقبحِ فِعلهم ... وُيحرَِّقون قُرَانه المنسوقا
فدعا فريقًا من سيوفِك حَتُفهُم ... وشددتَ في عُقَد الحديدِ فريقا
ومضى ابنُ عَمر وقد أساء بعُمره ... ظنَّا يُنزَّق مُهَرة تنزيقا
رَكبتْ جوانحَه قوادمُ رَوْعِه ... فحذفته خذَْفَ المرير الفُوقا
فأجتاز دجلةَ خائضًا وكأنها ... قَعْبُ على باب الكُحَيْل أريِقا
لو خاضها عِمليقُ اوْعُوْجُ إذنْ ... ما جَوَّزَتْ عُوجًا ولا عمليقا
لولا اضطربُ الخوف في أحشائه ... رسب العُبابُ به فمات غريقا
خاض الحتوفَ إلى الحتوفِ مُعانقًا ... زَجلًا كَفِهْر المنِجنيقِ عتيقا
يجتابُ حَزَّةَ سهلها وَوُعورَها ... والطيُر هان مُرادُه وَدَقوقا
1 / 19
لو نَفَّتْه الخيلُ لفتهَ ناظرٍ ... ملأ البلادَ زلازلًا وفُتوقا
لَشَنىَ صُدورَ السمْر تكشف كُربةً ... ولَوَى رؤوس الخَيل تَفُرُج ضِيقًا
ولَبَكَّرتْ بكرُ وراحتْ تَغلبُ ... في نصرِ دعوتهِ إليه طُروقا
حتى يعودَ الذئبُ ليثًا ضَيْغما ... والغصنُ ساقًا والقرارةُ نيِقا
ههيهات مارسَ قَلْقلًا مُتَقظًا ... قَلقًا إذا سكن البليدُ رَشيقًا
مُستسلِفا جعلَ الغَبوقَ صَبوحَة ... ومَرَى صَبوحَ غد فصار غَبُوقًا
لله ركَضُكَ إذ يُبارك المدى ... ومُبينُ سَبْقك إذ أتى مسبوقا
جاذبَته فضلَ الحياةِ فأفلتتْ ... من كّفِه قَمنًا بذاك حقيقا
فرددْتَ مهجتَه وقد كَرَع الرَّدى ... ليِحَفُ منها منهلا مطروقا
لَبس الحديدَ أساورًا وخلاخلًا ... فكفيْتَهُ التسويرَ والتطويقا
1 / 20
بالتلَ تَلّ ربيعَ بين مواضع ... ما زال دينُ الله فيها يُوقي
سَاتيدَمَا وسيوفُنا في هضبةٍ ... يَفْرِي إياسُ بها الطلى والسوقا
حتى تناول تاجَ قَيْصرَ مُشربًا ... بدم وفرّق جَمْعهَ تفريقا
والجازران وهتْمُ إبراهيم في ... ثنْيَهما تلك الثنايا الرُّوقا
قُتلَ الدعى ابنُ الدعىّ بضربة ... خَلسْ وخُرّق جيشُه تخريقا
والزاب إذ خَانَتْ أميةُ فاغتدت ... تُزْجى لنا جَعْديَّها الزِنديقا
كَشفوا بنلِ كُشافَ أروقةَ الدُّجى ... عن عارض ملأ السماءَ بُروقا
نِلناهُمْ قبل الشروق بأذرعُ ... يَهْزوُن في كَبدِ الظلامِ شُروقا
حتى تركنا الهامَ يندبُ منهمُ ... هامًا ببطن الزابِييَنْ فَليقا
يا تغلبَ ابنةَ تغلب حتَّى متَى ... تَردون كُفْرًا مُوبِقا ومُروقا
1 / 21