قلت: وهذه الرّواية باطلة سندًا، ومدار بطلان سندها على سيف، أمّا بطلان متنها فَمَرَدُّهُ إلى اتّهام أمّ المؤمنين عائشة ﵂ أنّها كانت تنطوي على غِلّ للمسلمين، وتشتهي النّصر ولو كان ثمنه قتل القرّاء، وحفظة القرآن، وهذا باطل بداهة! وهذا كلام مَنْ قَصُر نظرُه عن معرفة عدالة الصّحابة؛ فالصّحابة ﵃ أبرُّ النّاس قلوبًا، وأصلحهم أنفسًا، وأعمقهم إيمانًا، وأرسخهم علمًا، وأصدقهم خوفًا من الله تعالى؛ ولذلك اختارهم الله تعالى لصحبة نبيّه ﷺ، ونقل دينه، فكانوا وربّ النّاس مثلًا للنّاس، لكن من تأخّر منهم ابتلي بِحُثَالةٍ من النَّاس!
والصّحابة ﵃ قطع الله عنهم العمل ولم يقطع عنهم الأجر، فذهبوا بالأجور، وما انقطعت أجورهم؛ فهذه السّنن التي بين أيدينا، لهم أجرها، وأجر من عمل بها حتّى تقوم السّاعة! ومن ذكرهم بسوء ولو بِشَطْرِ كلمة فإنّما يهديهم حسناته، إن كانت له حسنات!
وأخرج الطّبري عن محمّد بن الفضل، عن سعيد القطعي، قال: " كنّا نتحدّث أنّ قتلى الجمل يزيدون على ستة آلاف " (^١) وإسناده ضعيف لكذب محمّد بن الفضل، قال ابن حجر: " محمّد بن الفضل بن عطيّة الخرساني، كذّبوه " (^٢).
وأخرج خليفة عن كهْمَس، عن سعيد، عن قتادة، قال: " قُتِل يوم الجمل عشرون ألفًا" (^٣) وإسناده ضعيف: كهمس بن المِنْهَال السّدوسي، قال عنه ابن حجر: " صدوق رمي بالقدر " (^٤) وقال عنه الذّهبي: " اتّهم بالقدر، وله حديث منكر أدخله البخاري من أجله في كتاب الضّعفاء وقال أبو حاتم: محلّه الصّدق " (^٥) وسعيد هو ابن أبي عروبة: مِهران اليشكري
(^١) الطّبري: " تاريخ الأمم والملوك " (ج ٣/ص ٥٤٧).
(^٢) ابن حجر " تقريب التّهذيب " (ص ٥٠٢/ رقم ٦٢٢٥).
(^٣) خليفة " تاريخ خليفة بن خيّاط " (ص ١٨٦).
(^٤) ابن حجر " تقريب التّهذيب " (ص ٤٦٢/رقم ٥٦٧١).
(^٥) الذّهبي " المغني في الضّعفاء " (م ٢/ص ٢٣٢/ رقم ٥١١٣) وانظر ترجمته في " كتاب الضّعفاء = = الصّغير " للبخاري (ص ١٠١).