فبواسطة صفوف اللوريات والدبابات، وحلقات الجنود الذين يقفون كتفا إلى كتف أغلقت هذه القوات مداخل موسكو كلها، وامتنع أي دخول أو خروج منها أو إليها ...
وفي الساعة العاشرة من صباح 6 مارس 1953 لم يكن أي مخلوق يستطيع أن يدخل أو يخرج من موسكو إلا بإذن من وزارة الأمن الداخلي.
وفي هذه الأثناء كنت قد خرجت مع الناس من الميدان الأحمر ولم أجد ما أستطيع أن أفعله في الشارع، فعدت إلى فندق متروبول واتخذت مركزا للمراقبة في حجرة القائم بأعمال مفوضية المكسيك، وهي في الدور الثالث، ولها نافذة كبيرة تطل على الميدان، ومن النافذة راقبت عملية إجلاء الناس من قلب موسكو.
وعندما خلت هذه الميادين من الحركة، خيم على المدينة صمت غريب، كان النشاط الوحيد ينحصر أمام بهو الأعمدة الذي كان فيما مضى ناديا للنبلاء، وكنت أراه من الميدان، وعند ناصية شارع بوشكين كان العمال عند مبنى بهو الأعمدة ينصبون الرايات والأزهار، ويعلقون صورة ضخمة جدا لستالين تغطي طابقين من المبنى.
ستالين السيد! الوداع الأخير!
وظهرت في الميدان سيارة نقل عادية زرقاء اللون خلفها ثلاث سيارات زيس سوداء، جاءت من الميدان الأحمر، ووقفت سيارة النقل أمام الباب وتقدم عدد من الجنود وأخرجوا منها تابوتا لا شك يضم جثة جوزيف ستالين، ودخلوا به إلى المبنى، لكي يرقد في نفس المكان الذي رقد فيه لينين من قبل ... لكي يمر الناس من أمامه محيين.
وبدأت سيارات الليموزين تتدفق على مبنى بهو الأعمدة، كان واضحا أن كبار رجال الدولة قد جاءوا لتحية ستالين.
وسمعت إشاعة تقول: إن قطارات محملة بمئات الآلاف من الناس وصلت إلى موسكو، وأن الناس يتدفقون من كل مكان لرؤية ستالين بعد موته، ونزلت إلى الطريق لأتأكد من ذلك، وحاولت الوصول إلى محطات السكة الحديد ...
إن الحصار المضروب على المدينة أكثف مما أحسب؛ قوات الأمن في حلقات متتالية من قلب المدينة حتى أطرافها، تعزل المدينة تماما من الداخل ومن الخارج ...
وعندما عدت إلى الميدان الأحمر في صمته المخيم، وبعد أن رأيت هذه القوات الضخمة بدأت الفكرة تدق رأسي لأول مرة: أي قوات هذه التي تسيطر على المدينة؟ قوات الأمن. هل هناك أي قوات أخرى في المدينة؟ كلا. هل تستطيع أي قوات أخرى أن تدخل المدينة؟ كلا، إلا بإذن خاص من قوات الأمن، أو بأن تقاتل هذه القوات شارعا شارعا ومتراسا وراء متراس. والقوات الجوية؟ لن تنفع؛ إنها ستدمر المدينة كلها، وتبقى قوات الأمن مسيطرة على كل طريق وكل نقطة استراتيجية فيها.
صفحه نامشخص