9
ومن الواضح أن ولفسون يعترف، من خلال ما يقوله هنا على لسان اسپينوزا، بوجود عملية «إخفاء» أساسية تعمد فيها اسپينوزا أن يصوغ معانيه الجديدة في قوالب مدرسية تقليدية، وحرص على أن يوضح أولا المعاني الجديدة التي يستخدم بها كلمة «الله» قبل أن يدخلها في كتاباته، وهذا كله اتجاه سليم في فهم اسپينوزا، ولكن المؤسف أن ولفسون نفسه، كما سنرى في مواضع متعددة، لم يتمسك به دائما، وطالما انزلقت إلى كتاباته المعاني والارتباطات التقليدية للألفاظ الحرفية، بحيث كان في كثير من الأحيان يقع فيما حذر القارئ منه. (ج)
ويرى «ليوشتراوس» أن استخدام اسپينوزا للفظ «الله» في مستهل كتابه الرئيس يخفي، ولا يكشف، نقطة بدايته الحقيقية؛ أي إنه عرض آراءه في «الأخلاق» بطريقة «تركيبية»، وأخفى «التحليل» الذي لا بد قد سبق هذا التركيب. ومعنى ذلك أن اسپينوزا قد «أخفى الاستدلال الكامل، الفلسفي والاجتماعي أو السياسي، المؤدي إلى تلك التعريفات التي يروع لها القارئ، وفي الوقت ذاته هدأ القارئ عندما يفتح ذلك الكتاب. فإذا كان صحيحا أن إله اسپينوزا لفظ مهدئ
an appeasing term ،
10
فإنه يتعين على المرء عندئذ أن يعيد كتابة «الأخلاق» بأسرها، دون أن يستخدم هذا اللفظ؛ أي بالبدء من المبادئ الإلحادية الخفية لدى اسپينوزا.»
11 (د)
وإذا كان ليوشتراوس قد افترض إمكان إعادة كتابة «الأخلاق» مع حذف لفظ «الله» الذي يعده لفظا أدخل على الكتاب لتهدئة مشاعر القارئ أو عدم استفزازها بالمعاني الثورية التي تضمنها الكتاب، فإن هناك رواية قديمة انتشرت بعد وفاة اسپينوزا بزمن غير طويل، مؤداها أن كتاب «الأخلاق» وضع أصلا دون أن يأتي فيه لفظ «الله» وأن هذا اللفظ أدخل فيما بعد تحوطا وحذرا. وهكذا فإن هذه الرواية تفترض بالفعل حدوث ما دعا إليه «ليوشتراوس»، وتذكر أن ذلك ما قام به اسپينوزا نفسه في بادئ الأمر ونظرا إلى ما لهذه الرواية من دلالة هامة، فسوف نذكرها هنا بنصها:
12
لقد بلغني من شخص جدير بالثقة، نقل إلي هذه الرواية كتابة بخط يده، أن اسپينوزا قد ألف كتابه المزعوم «الأخلاق» مبرهنا عليها «هندسيا» باللغة الفلمنكية، وأنه أعطاه إلى طبيب يدعى لويس ماير ليترجمه إلى اللاتينية، وأن كلمة «الله» لم تكن موجودة فيه قط، ولم تكن توجد إلا كلمة «الطبيعة»، التي زعم أنها أزلية.
صفحه نامشخص