ولما أخذنا في المسير قال اعلم أنني ابن فلان التاجر الذي يقع قصره في مكان كذا من هذه المدينة والناس كلهم يعرفون أي رجل كان والدي وما كان له من مال وثروة وخلاصة الأمر أنه لما انتقل والدي إلى جوار ربه أطلقت لهواي العنان وسمت سرح اللهو وعاقرت ابنة الكرم سنوات فابتليت بمرض عضال فقدت معه كل أمل بالشفاء ونذرت نذرا لله تعالى أنني سأحج وأغزو إذا ما شفيت من مرضي ومن الله تعالى بالشفاء علي وقمت من المرض سالما وعقدت العزن على الحج ومن ثم الغزو وأعتقت جواري وغلماني جميعا ووهبتهم مالا وبيوتا وضياعا وألفت بيهم بالزواج ثم بعت ما كان لي من أسباب وضياع ومستغلات بخمسين ألف دينار ذهبا وفكرت في نفسي بأنني مقدم على سفرين محفوفين بالمخاطر فليس صوابا أن أحمل الذهب كله معي ورأيت أن أحمل ثلاثين الفا وأبقي العشرين الأخرى فاشتريت إبريقي نحاس ووضعت في كل منهما عشرة الاف دينار وقلت والان عند من أودعها ولم يدلني ضميري إلا على قاضي القضاة من المدينة كلها وقلت في نفسي إنه رجل عالم وقاض وقد اعتمده الملك ووكل إليه دماء المسلمين وأموالهم انه لن يخونني على أية حال فمضيت إليه وكلمته بالأمر سرا فقبل هو وسررت أنا ونهضت سحرا وحملت الإبريقين إلى بيته ووضعتهما عنده وديعة ثم مضيت في سبيلي فأديت فريضة الحج وتوجهت من مكة والمدينة إلى بلاد الروم والتحقت بالغزاة وقضيت سنوات أجاهد في سبيل الله وفي إحدى المعارك مع الكفار أصبت بجروح في مواطن من وجهي وعنقي وركبتي وفخذي ووقعت أسيرا بيد الروم وأمضيت أربع سنوات في أغلالهم وسجنهم إلى الوقت الذي ابتلي فيه القيصر بمرض فأطلق سراح جميع الأسرى وبعد فكاكي من الأسر التحقت بالمطوعة وخدمت في صفوفهم ولما هيأت نفقات طريق العودة قفلت راجعا على أمل أنني كنت قد أودعت قاضي بغداد عشرين ألف دينار
وبعد عشر سنوات عدت إلى بغداد صفر اليدين رث الملابس هزيل الجسم لشدة ما قاسيت من مشاق السفر والام ضنك العيش في تلك المدة وذهبت إلى القاضي فسلمت عليه وجلست عنده وانصرفت وترددت عليه على هذه الحال يومين ولما لم يقل لي شيئا ذهبت إليه في اليوم الثالث وجلست طويلا فلما لم يبق أحد اقتربت منه وقلت له بهدوء وبطء أنا فلان ابن فلان قد حججت وغزوت وعانيت المتاعب
صفحه ۱۱۲