بفنائها ، فأصبح مشغولا بالفراغ مما شغله ، فارغا من الشغل الذي فرغ له ، مصيخا (1) إلى الغرة ، موطنا لدار النقلة ، لا جاهلا فيعذر ، ولا ناسيا فيذكر ، فكأن الموصوف المفتون بما يسمع ويرى ، ليس بموقن بزوال الدنيا ، بل كأنه لم يوقن بمواعيد ربه غدا إذ تأخر (2) ذلك عنه ، ولم يصدق بما حذر (3) إذ قصر به دنوه منه ، بل كأنه نسي أن الدنيا جعلت دار بلوى ، ولم تجعل لأحد من ساكنيها دار مثوى ، وجعلت إلى غيرها معبرا ، ولم تجعل لساكنيها مستقرا ، وأنها لأهلها ممر سبيل ، ومنزل نقلة وترحيل ، وأن كل من فيها إلى دار قراره غير لبيث ، (4) ومن الآخرة في السير حثيث ، فلو كان يصير من فيها بعد موته إلى غير معاد ولا مصير ، لما وسعه إن نظر أو عقل ففكر أن يركن إلى ما يزول ، وينصب لما يفنى فلا يدوم ، (5) وكيف وهو مبعوث ومحاسب ، وموقوف غدا للحساب فمعاتب ، فيما أفنى من عمره ، بل في كل أمره ، من صغير (6) محصوله ، وجميع فعله وقوله ، يحضر له كله يوم البعث في الحساب ، ويجد ما كان فيه من خطأ أو صواب.
فيا ويله أما سمع قول الله تبارك وتعالى فيه ، وما حكم الله به (7) من عدل حكمه عليه ، إذ يقول سبحانه : ( ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ) (49) [الكهف : 49].
فبادروا رحمكم الله لعظيم المغنم ، وأجدوا في الهرب من أسف الندم ، واتقوا صفقة الخسار ، فإنها بين الجنة والنار ، ولا تبغوا من الراحة ما يفضي بأهله إلى النصب الدائم ، ولا من النيل إلى ما يؤدي إلى حرمان الغنائم ، وأكثروا ذكر السقم والوفاة ، وما رأيتم
صفحه ۳۳۶