200

سير السلف الصالحين

سير السلف الصالحين

پژوهشگر

د. كرم بن حلمي بن فرحات بن أحمد

ناشر

دار الراية للنشر والتوزيع

محل انتشار

الرياض

وَقَالَ عَلِيٌّ ﵁: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ: اتِّبَاعُ الْهَوَى، وَطُولُ الْأَمَلِ، فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ، وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فيُنْسِي الْآخِرَةَ.
أَلَا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَرَحَّلَتْ مُدْبِرَةً أَلَا وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ تَرَحَّلَتْ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابٌ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ.
فَصْلٌ
رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: دَخَلَ ضِرَارُ بْنُ حَمْزَةَ الْكِنَانِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ ﵁، فَقَالَ: صِفْ لِي عَلِيًّا، فَقَالَ: أَوَ تَعْفِينِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: لَا أَعْفِيكَ، قَالَ: قَدْ كَانَ وَاللَّهِ بَعِيدَ الْمَدَى شَدِيدَ الْقُوَى، يَقُولُ فَصْلًا وَيَحْكُمُ عَدْلًا، يَتَفَجَّرُ الْعِلْمُ مِنْ جَوَانِبِهِ، وَتَنْطِقُ الْحِكْمَةُ مِنْ نَوَاحِيهِ، يَسْتَوْحِشُ مِنَ الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا، وَيَسْتَأْنِسُ بِاللَّيْلِ وَظُلْمَتِهِ.
كَانَ وَاللَّهِ غَزِيرَ الْعَبْرَةِ، طَوِيلَ الْفِكْرَةِ، يُقَلِّبُ كَفَّهُ وَيُخَاطِبُ نَفْسَهُ، يُعْجِبُهُ مِنَ اللِّبَاسِ مَا قَصُرَ.
وَمِنَ الطَّعَامِ مَا جَشَبَ، كَانَ وَاللَّهِ كَأَحَدِنَا يُدْنِينَا إِذَا أَتَيْنَاهُ، وَيُجِيبُنَا إِذَا سَأَلْنَاهُ وَكَانَ مَعَ تَقَرُّبِهِ إِلَيْنَا وَقُرْبِهِ مِنَّا لَا نُكَلِّمُهُ هَيْبَةً لَهُ، فَإِنْ يَبْتَسِمُ فَعَنْ مِثْلِ اللُّؤْلُؤِ الْمَنْظُومِ، وَيُعَظِّمُ أَهْلَ الدِّينِ وَيُحِبُّ الْمَسَاكِينَ، لَا يَطْمَعُ الْقَوِيُّ فِي بَاطِلِهِ، وَلَا يَيْأَسُ

1 / 207