سیر و ملاحم شعبی عربی
السير والملاحم الشعبية العربية
ژانرها
ففي الملك سيف بن ذي يزن يتبدى تفوق حمير كقبائل مختارة مكانها بين العينين: «ما حمير في أهل الدنيا إلا كالأنف من الوجه أو قل بين العينين»، وهو ما تنازعته بعد ذلك القبائل العبرية، ففي بعض كتبهم الخرافية «إن الله قال لبني إسرائيل من تعرض لكم فقد تعرض لحدقة عيني.»
وكثيرا ما يرد في هذا التراث وصف الحبشة وسكانها بالأشرار؛ ذلك أن اليمن كانت في صراع لا ينتهي مع الحبشة آخرها ذلك الاغتيال الدامي الذي اغتيل فيه الملك سيف بن ذي يزن الحميري ذاته بأيدي خدمه وتوابعه من الأحباش، حين اختلوا به في أعالي الجبال خلال رحلة صيد ومزقوه بحرابهم واختفوا في الشعاب.
ومن الأقوال المنسوبة إلى النبي هود عن ابن عباس: «إن جهنم في أرض المغرب يسكن عليها شرار خلق الله، وهم الحبشة.»
أما ما يرد عن وصف العرب بالأحرار، فمرجعه تلك الصلات الموغلة في القدم بين هؤلاء الملوك التباعنة اليمنيين، فيقال: إنهم حكموا فارس واليمن منذ انتهاء الألف الثالث قبل الميلاد مثل الضحاك وأفريدون وذا الأذعار وتشابكت أساطير الملوك اليمنيين بملوك الفرس الأول، فيقال إن العرب القحطانيين أخوال ملوك الفرس، وكان آخرها بالنسبة لسيرة الملك سيف، التجائه إلى كسرى ملك الفرس، حين غزا الأحباش اليمن وطلب منه نصرته، فأمده كسرى بمن في سجونه ليحاربوا إلى جانبه قائلا: «إن ظفروا فأبناؤك، وإن قتلوا فأعداؤك» وكان أن انتصر الملك سيف وتوج على اليمن إلى أن وقع حادث اغتياله بيد الأحباش أو الكوشيين أو الحاميين أبناء اللعنة.
كما قد يوصف الفرس بالأحرار نسبة إلى الإيرانيين الذين قدموا مع الملك سيف بن ذي يزن «وهم إلى اليوم يسمون بالأحرار بصنعاء ويسمون باليمن عامة بالأبناء، وبالكوفة الأحامرة، وبالحيرة الأساورة، وبالجزيرة الحضارمة، وبالشام الجراجمة، كما يروي الأصبهاني.»
فالملاحظ أن الأسطورة النوحية ومأثوراتها المتواترة في ملكها تجيء مسايرة لمسرح أحداث هذه السيرة وحروبها.
فتبدأ السيرة أحداثها والملك سيف بن ذي يزن يعد العدة ويجهز جيوشه وقوافله، مقررا السير على رأسها إلى الشمال لمحاربة الملك بعلبك، لكن قبل أن تصل جيوشه الزاحفة من اليمن إلى مكة إلا ويظهر الملك سيف رغبته في هدم الكعبة ونقلها إلى اليمن.
وتتداخل فابيولاته هنا مع ملك سالف يمني آخر، هو أبرهة؛ ذلك أن قوى غيبية تتسلط عليه، وتعييه وجيشه بمختلف الأمراض والكوارث، إلى أن يعتنق دين إبراهيم وبكره إسماعيل باني البيت.
فتحت حكمة وبصيرة وزيره الكاهن «يثرب»، الذي كان يدين بدين الكعبة ورب البيت وهو الإسلام، يسلم بدوره الملك سيف ويكسو الكعبة، ثم نجد الوزير يثرب يرجو الملك أن يبني المدينة التي حملت اسمه «يثرب» إلى أيامنا.
وما أن ينتهي الملك سيف من مهمته السياسية بأرض الحجاز ويثرب وشمال الجزيرة العربية أو السعودية اليوم، حتى يتجه شمالا إلى بعلبك بلبنان، وتدور حروب طاحنة في عاصمة البقاع التي اعتبرها الساميون - على الدوام - أقدم مدينة في العالم، والتي لا تبعد الأسطورة المصاحبة لإنشائها كثيرا عن الأسطورة النوحية؛ إذ إن قابيل - القاتل - ابن آدم عندما اعتراه الارتعاش أمر ببنائها ولقبها باسم ابنه أخنوخ - النبي إدريس - وأسكن فيها الجبابرة والمهترجية، ولكثرة فواحشهم أرسل الله عليهم طوفان الماء أو طوفان نوح.
صفحه نامشخص