سیر و ملاحم شعبی عربی
السير والملاحم الشعبية العربية
ژانرها
سنين كثيرة بين العباد
ومن هذه المرثية المطولة يتضح مدى التراكم الملحمي وإضافات العصور عبر العصور، بالإضافة طبعا للتراكم المأثوري الأسطوري، كما يتضح من مرثية التبع الغازي المغتال، عن كيف أن الخليفة أبا بكر الصديق مات بلسع الحية، وعمر بالطراد، وعليا حين أرداه بالسيف ابن ملجم.
بل وفي ثنايا الأنساب الملحمية هذه «الزير سالم» قد نصل في بعض النصوص والطبعات إلى سمات تركية، بل وخديوية لمطلع قرننا الأخير، برغم أن العمر التخميني للزير سالم قد يرجع بنا إلى أكثر من أربعين قرنا.
الماء والعطش في السيرة والملحمة
كان للماء وموارده وأنهاره وآباره الدور البارز في مجمل سيرنا وملاحمنا العربية، فكما ذكرنا فإن حجر زاوية مثل هذه السير والملاحم والقصص الشعرية، هو على الدوام التاريخ الشعبي المتصدي الدافع ضد الأخطار الخارجية، وكذا الهزات أو التحولات الكبرى الداخلية، التي ترقى هاماتها وترتفع إلى حد أن تصبح حدثا أو موضوعا لسيرة أنساب أو ملحمة.
ونظرا لدور الماء والحروب الطاحنة في اتجاه تملكه، كهدف من أهداف العالم القديم بل والحديث؛ لذا أصبح الماء وموتيفاته ملمحا محددا لسيرنا، فعادة ما يلعب الماء وموتيفاته الدور الجوهري الأول في مجمل أساطير وفولكلور بلداننا العربية، بلا استثناء وبخاصة تركتنا من السير والملاحم والقصص الشعري سواء حين يكثر ويفيض في أماكن دالات أو دالتات الأنهار في مصر والعراق، ومنه تتولد الطوفانات، من بابلية جاءت بها النصوص المبكرة لملحمة جلجاميش، وكذا طوفانات الآلهة الغاضبة، رع، وسخمت، أو طوفان نوح، وسواء حين يشح الماء ويجذب في الكيانات البدوية الصحراوية.
فالماء كان - على الدوام - هو هدف الإغارة والهجرة والحروب في ملاحم وسير حسان اليماني الملك سيف وبحثه عن كتاب أو منابع النيل، السيرة الهلالية، وهجرتها الكبرى من الجزيرة العربية، هربا من الجدب والعطش بحثا عن الزرع والضرع، في سهول الشام وفلسطين وتونس الخضراء حتى مداخل أوروبا الجنوبية بعامة.
فالماء مهبط عرش جميع الآلهة السامية، خاصة أيل أو كبير الآلهة كرونس القاسم المشترك الأعظم لكل آلهة الشعوب السامية؛ حيث كان عرشه على الماء، وصنوه المتوحد به إبراهيم الخليل، نبعت لهما المياه وبعثت، وجرت لهما حيث تواجدا.
إبراهيم حين نبعت له «بئر سبع» بفلسطين، وبكره إسماعيل الذي من الأرض نبعت له المياه؛ حيث منفاه بالوادي غير ذي زرع، بمكة أو برية حاران؛ حيث نبعت له بدوره بئر زمزم بعد أن كوت ألسنة العطش أمه هاجر، بحثا عن الماء في جدب الصحراء، فكان أن ضرب إسماعيل برجله، «انبعث زمزم وفاضت في الوديان القاحلة.»
وعليه: فنحن إزاء آلهة «رزق» على عادة ما هو متبع حتى في التسميات، لدى فقراء الشرق الأدنى القديم؛ حيث تحظى الصحراء والجدب بالنصيب الأوفر لهم.
صفحه نامشخص