دحلان المتوفى سنة ١٣٠٤ ألَّف رسالة في ذلك تدور جميع مسائلها على قطبين اثنين: قطب الكذب والافتراء على الشيخ، وقطب الجهل بتخطئته فيما هو مصيب فيه.
أنشئت أول مطبعة في مكة المكرمة في زمن هذا الرجل فطبع رسالته وغيرها من مصنفاته فيها، وكانت توزع بمساعدة أمراء مكة ورجال الدولة على حجاج الآفاق فعم نشرها، وتناقل الناس مفترياته وبهاءته في كل قطر، وصدقها العوام وكثير من الخواص، كما اتخذ المبتدعة والحشوية والخرافيون رواياته ونقوله الموضوعة والواهية والمنكرة، وتحريفاته للروايات الصحيحة، حججًا يعتمدون عليها في الرد على دعاة السنة المصلحين، وقد فنيت نسخ رسالته تلك ولم يبق منها شيء بين الأيدي، ولكن الألسن والأقلام لا تزال تتناقل كل ما فيها من غير عزو إليها، ودأب البشر العناية بنقل ما يوافق أهواءهم، فكيف إذا وافقت هوى ملوكهم وحكامهم.
كنا نسمع في صغرنا أخبار الوهابية المستمدة من رسالة دحلان هذا ورسائل أمثاله فنصدقها بالتبع لمشايخنا وآبائنا، ونصدق أن الدولة العثمانية هي حامية الدين ولأجله حاربتهم وخضدت شوكتهم، وأنا لم أعلم بحقيقة هذه الطائفة إلا بعد الهجرة إلى مصر والإطلاع على تاريخ الجبرتي وتاريخ الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى، فعلمت منهما أنهم هم الذين كانوا على هداية الإسلام دون مقاتليهم، وأكده الاجتماع بالمطلعين على التاريخ من أهلها ولا سيما تواريخ الإفرنج الذين بحثوا عن حقيقة الأمر فعلموها وصرحوا أن هؤلاء الناس أرادوا تجديد الإسلام وإعادته إلى ما كان عليه في الصدر الأول، وإذًا لتجدد مجده، وعادت إليه قوته وحضارته، وأن الدولة العثمانية ما حاربتهم إلا خوفًا من تجديد ملك العرب، وإعادة الخلافة الإسلامية سيرتها الأولى.
على أن العلامة الشيخ عبد الباسط الفاخوري مفتي بيروت كان ألف كتابًا في تاريخ الإسلام ذكر فيه الدعوة التي دعا إليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقال إنها عين ما دعا إليه النبيون والمرسلون، ولكنه قال إن الوهابيين في عهده متشددون في الدين، وقد عجبنا له كيف تجرأ على مدحهم في عهد السلطان عبد الحميد، ورأيت شيخنا الشيخ محمد عبده في مصر على رأيه في هداية سلفهم، وتشدد خلفهم، وأنه لولا ذلك لكان إصلاحهم عظيمًا ورجى أن يكون عامًا، وقد ربى الملك عبد العزيز الفيصل أيده الله
1 / 8