غبي، وإن التزمه أحد فيلزمه أن يلتزم أن الآية دالة على قربة المجيء إلى الأشياء المذكورة كلها، وهذا من أبطل الأباطيل.
وإن اختير الشق الثالث فيقال: ما الدليل على هذا الفهم؟ ولن تجد عليه دليلًا من اللغة والعرف والشرع، أما ترى أن أحدًا من الموافقين والمخالفين لا يقول في قبر غير قبر النبي ﷺ إذا جاءه أحد أنه جاء ذلك الرجل، ولا يفهم أحد من العقلاء من هذا القول أنه جاء قبر ذلك الرجل.
فتحصل من هذا أن المجيء إلى الرجل أمر، والمجيء إلى قبر الرجل أمر آخر، كما أن المجيء إلى الرجل أمر، والمجيء إلى الأمور المذكورة أمور أخر، ليس أحدها فردًا للآخر.
إذا تقرر هذا فالقول بشمول المجيء إلى الرسول: المجيء إلى الرسول والمجيء إلى قبر الرسول، كالقول بشمول الإنسان الإنسان والفرس، وهذا هو تقسيم الشيء إلى نفسه وإلى غيره، وهو باطل بإجماع العقلاء، وهكذا جعل الاستغفار عنده عامًا شاملًا للاستغفار عنده في حياته وللاستغفار عند القبر بعد مماته، مع أن الاستغفار عند قبره ليس من أفراد الاستغفار عنده.
فإن قلت: لا نقول إن المجيء إليه ﷺ شامل للمجيء إليه في حياته وللمجيء إلى قبره بعد مماته حتى يرد ما أوردتم، بل نقول إن المجيء إليه شامل للمجيء إليه في حياته الدنيوية المعهودة والمجيء إليه في حياته البرزخية، ولما كان المجيء إليه في حياته البرزخية مستلزمًا للمجيء إلى قبره ثبت من الآية المجيء إلى قبره ﷺ الذي هو المسمى بزيارة القبر.
قلنا: لا سبيل إلى إثبات الحياة البرزخية من لغة ولا عرف، فلا يفهم من هذا اللفظ -بحسب اللغة والعرف- إلا المجيء إليه في حياته الدنيوية المعهودة، فلا يكون المجيء إليه في حياته البرزخية فردًا للمجيء إليه بحسب اللغة والعرف، إنما تثبت الحياة البرزخية ببيان الشرع، لكن يبقى الكلام في أن كون المجيء إليه في حياته البرزخية فردًا من المجيء إليه هل يثبت من الشرع أم لا؟ وعلى مدعي الثبوت البيان، وفي أن
1 / 25