والضلالات بعد خير القرون، وكون كل زمان يأتي شرًا مما بعده، ومن بقاء طائفة على الحق في كل زمان هم الأقلون، حتى تقوم الساعة، فعلم من هذا التفصيل المؤيد بالنقل ما هو الحق في هذه المسألة المهمة التي بينا في التمهيد سبب ضلال المتأخرين فيها.
ومن فضائل هذا الكتاب ومؤلفه علو أدبه في عبارته، وتحاميه المبالغة في ذم المذموم، ومدح الممدوح، فهو لا يطري الإمام المجدد الذي يدافع عنه، ولا يهجو المتجرم الذي يرد عليه هجوًا شعريًا يدخل في مفهوم السباب المذموم وإن كان جزاء وفاقًا، ومقابلة للسيئة بمثلها، فتراه يقول في كل فرية من مفترياته على الشيخ نفسه أو نقوله غير المسندة: هذا قول لم تصح به رواية، فليأتنا بروايته وما قيل في تعديل رواتها لنجيب عنها.
وجملة ما يقال في هذا الكتاب أنه ليس ردًا على الشيخ دحلان وحده، ولا على من احتج بما نقله عنهم من الفقهاء مما لا حجة فيه كالشيخ تقي الدين السبكي والشيخ أحمد بن حجر الهيتمي المكي، بل هو رد على جميع القبوريين والمبتدعين حتى الذين جاءوا بعده إلى زماننا هذا.
ومما ينتقد على كتاب (صيانة الإنسان) هذا من ناحية صناعة التصنيف أنه لم يجعله أبوابًا مقسمة، ولا فصولًا مفصلة، ذات عناوين تسهّل المراجعة، وقد تلافينا هذا في طبعتنا هذه فجعلنا لكل صفحة عنوانًا في أعلاها لأهم ما فيها، وأحصينا في الفهرس جميع المسائل المهمة فيها، فبهذا سهل سبيل المراجعة لها كلها.
وقد طبع من نسخة الطبعة الهندية الأولى، وهي طبعة حجرية كثيرة الغلط والتحريف، فمنه ما هو معروف بالبداهة، ومنه ما هو منقول عن كتب موجودة راجعناها عند التصحيح، ومنه ما وضعنا له حواشي بينا رأيه فيه، وما عدا هذا قليل يمكن فهم المراد منه بالقرينة غالبًا، ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على ما أنفقناه من وقت طويل في العناية بهذا الكتاب المفيد، والحمد لله على ما من به من التوفيق.
وكتب في صفر سنة ١٣٥٢
محمد رشيد رضا
منشئ مجلة المنار الإسلامية بمصر
1 / 12