وقد حاولت زينب أن تمد يدها إليه لتلمسه، ولكن ستها نهرتها بتكشيرتها الخالدة، وسيدها جاء بنفسه ليرى الهيصة، واختطفه من أيديهم ووضعه على راحة يده التي راح يبعدها ويقربها من عينيه، ويعقد حاجبيه ويزوم قائلا: حتى أنت يا قزم! حتى أنت يا قزم! حتى أنت لك نفس تعمل ناصح؟
وبعد أن حبسوه في الصالون كادوا أن ينسوه، إلا إذا حضر ضيف وانتبه إليه، ومد يديه يتناوله ويضحك عليه. كانوا يحكون له أن سميرة أخذته هدية من المدرسة الإفرنجية، وكان أحدهم يتطوع فيضربه بالقلم على وجهه أو قفاه فيجد أنه ما يزال ينفش صدره، ويخرج لسانه، ويمد ذراعيه، فيزداد ضحكه عليه.
أما زينب فلا تنساه في اليقظة أو المنام، طول النهار طالعة نازلة على السلالم حتى ينقطع نفسها، طول النهار تلف وتدور كالنحلة في البيت الواسع. تكنس وتمسح، وتغسل الأطباق، وتنفض السجاجيد، وتقشر البصل والثوم، وتمسح حذاء البيه والست الكبيرة، وتعلف البط والفراخ، وتحضر العيش واللبن من السوق، طول النهار عمال على بطال، تجري وتخدم على الأكل، وتنظف الترابيزة، وتحضر الفرشة، وتونس العيال. زينب هاتي، زينب خذي، زينب سوي، زينب روحي السوق، زينب لمي الغسيل، زينب يا مقصوفة الرقبة، زينب يا أم عقل وسخ. وعندما ينام الجميع، وتسمع شخير البيه الكبير، ويتوقف لسان ستها الذي يشبه الكرباج عن العمل، تتسلل على أطراف قدميها الحافيتين وتفتح باب الصالون، وتدخل وفي يدها الوناسة لتراه هناك، إلى جانب المطفأة وتمثال نفرتيتي الجربان، يمد لها طرف لسانه، ويفرد لها يديه، ويموت على نفسه من الضحك حتى يكاد أنفه الصغير ينفجر ويطير في السماء.
في ليلة قالت لها ستها: ادخلي مع ستك سميرة لحد ما تنام. ولكن ستها سميرة لم يجئ لها نوم. كانت معفرتة وشيطانة تضحك وترقص على السرير، وتريد لو تستطيع أن تنط من الشباك وتلعب طول الليل. قالت لزينب: احكي لي حدوتة يا زينب. قالت زينب التي كانت تقعد على الأرض أمام السرير: وأنا أعرف حواديت يا ستي؟! احكي لي أنت حكاية القزم القاعد يضحك على الناس وعلى نفسه.
قالت سميرة: طيب عارفة يعني إيه قزم؟
قالت زينب بعد فترة صمت: أبدا يا ستي.
ضحكت سميرة وهللت وقالت: يعني زيك تمام. قزم يعني رجل صغير، قد عقلة الصباع.
سألتها زينب: والقزم يطلع لسانه ويبرق عينيه؟
قالت سميرة: أصله نازل ضحك على الناس، إنما قلبه طيب.
قالت زينب مستفهمة: قلبه طيب؟
صفحه نامشخص