أجابت دوروثي، قائلة: «تلك هي الملابس التي أصبح الجميع يرتديها بالجامعة في هذه الأيام.» «والمدرسون أيضا؟» «لا فرق.» «ولكن، هل ستتزوج بهذا الشكل؟» لم تسل فايولا سؤالها الأخير عشوائيا.
كانت دوروثي قد شاهدت في المجلات صورا لتلك الطريقة الجديدة التي اعتاد البالغون اتباعها في انتقاء ملابسهم بحيث بدوا كأنهم عادوا إلى مراهقتهم، وكانت جانيت هي أول شخص تراه يفعل ذلك عن قرب، بلحمها وشحمها. كان المعتاد أن الفتيان والفتيات يحاولون التشبه بالرجال والنساء الناضجين، وغالبا ما تكون النتيجة مثيرة للسخرية، والآن أصبح الرجال والنساء الناضجون يحاولون التشبه بالمراهقين، وربما استيقظوا على حقيقة أنهم على شفا الشيخوخة. إنه لمن العجيب أن ترى خليطا من سمات الطفلة والمرأة الناضجة بوجه جانيت؛ ففي بعض الأحيان تبدو وكأنها أصغر من سنها بعشر سنوات؛ حيث يصبح وجهها بدون زينة شاحبا، وفمها كبيرا لكنه مغلق في تحفظ، تبدو نقية ونظيفة وحالمة وسارحة في فكرها. وفجأة مع تغير المزاج أو كيمياء الجسم يتحول ذلك الوجه البريء ذاته إلى وجه تعلوه زرقة ويحمل تعبيرات الألم، وتصبح بشرتها متجعدة وذابلة تحت عينيها، وكأنما تقدم بها العمر سنوات عدة.
يبدو الشارع من الشرفة حيث تجلس دوروثي أكثر حرارة وأكثر سوءا مما كان يبدو بكل صيف؛ وذلك بسبب غياب الأشجار عن الشارع. ففي الخريف الماضي أتى عمال البلدية واجتثوا كل أشجار الدردار، تلك الأشجار الفارعة القديمة ذات الظل الظليل، تلك الأشجار التي كانت أغصانها تتشابك معا لتظلل نوافذ الأدوار العليا وتنمو عليها، وعندما يحل أكتوبر كانت تغطي المروج بأوراقها. أما الآن فالمرض أصاب كل الأشجار، وبعضها نصف ميت بالفعل؛ لذا كان عليهم أن يقتلعوها قبل أن تأتي رياح الشتاء وتشكل منها خطرا كبيرا. لم يكن الاختلاف الذي شكله غياب تلك الأشجار واضحا خلال فصل الشتاء؛ بل كانت أكوام الثلج على جانبي الطريق أكثر ما يميز الشارع بذلك الفصل. لكن الآن عندما حل الصيف لمست دوروثي فارقا كبيرا عن ذي قبل، فالأجزاء المتخلفة من الأشجار عزلت المنازل وجعلت الأفنية تبدو أوسع مما كانت عليه، وجعلت الرصيف الضيق المرقع يبدو وكأنه نهر يتدفق بالأضواء.
عندما وصلت جانيت ذلك الصيف حزنت حزنا كبيرا على الأشجار، وقالت بمجرد أن خرجت من سيارتها الأجنبية الصغيرة ذات اللون الكريمي: «الأشجار! الأشجار الجميلة، من قطعها؟»
أجابت دوروثي: «البلدية.» «هم من فعلوا ذلك؟!»
قالت دوروثي وهي تتبادل مع حفيدتها قبلة بالهواء وذراعاها مرفوعتان إشارة للمعانقة: «لم يكن لديهم خيار آخر؛ فقد أصابها المرض.»
صاحت جانيت وهي مستاءة قائلة: «نفس الشيء يحدث بكل مكان، كل ذلك جزء من خطة تخريبية تحول البلدة بأسرها إلى خراب.»
لم تستطع دوروثي التصديق على كلامها، فهي لا تستطيع التحدث عن البلدة بأسرها، لكنها تكاد تجزم بأن تلك البلدة من المستحيل أن تتحول إلى خراب، ففي الواقع قام أهل البلدة حديثا بتجفيف وتنظيف منطقة المخلفات بجوار النهر، وحولوا المكان إلى منتزه لطيف جدا، وهو الشيء الذي كانت تفتقر إليه البلدة منذ نشأتها من مئات السنين. فهي تدرك أن المرض الذي أصاب أشجار الدردار قضى على كل الأشجار من ذلك النوع بأوروبا كلها خلال القرن الماضي، وأنه يتقدم ليستمر في إصابة الأشجار بهذه القارة مدة خمسين سنة قادمة، ويعلم الله أن العلماء يبذلون جهدا كبيرا في محاولة ابتكار علاج لذلك المرض. شعرت أنها مجبرة على سرد هذا كله. ابتسمت جانيت بشحوب وقالت بداخلها: نعم، لكنك لا تعلمين ما يحدث بكل مكان، التقدم والتكنولوجيا يدمران كل أثر لجودة الحياة.
أخذت دوروثي تفكر متناسية منظر جانيت الكئيب، وكيف أنها دائما ما تنزعج من أشياء من المفترض أنها لا تعرف عنها شيئا، بل وتحاول الدفاع عنها مع أنها لن تجني من ذلك شيئا. جودة الحياة! هي لا تفكر بتلك المصطلحات أو حتى تتحدث مع المفكرين بها؛ إن جانيت داهية يصعب فهمها.
قالت فايولا: «إنها تمتلك سيارة جميلة، وتدرس وتعمل بذات الوقت، وليس لديها من تنفق نقودها عليه سوى نفسها، وحياتها إجمالا حلم بالنسبة لنا، ومع ذلك تبدو غير سعيدة.» تعتقد فايولا بالطبع أن جانيت متكدرة وغير سعيدة بسبب عدم زواجها إلى الآن، لكن دوروثي لم تفكر من ذلك المنطلق؛ فهي لم تشعر أن متكدرة أو حتى حزينة هي الكلمات الدقيقة لوصف حالة جانيت؛ إنها المراهقة، تلك الكلمة هي التي قفزت بعقلها مع أنها أيضا كلمة غير وافية لوصفها.
صفحه نامشخص