178

سر مکتوم

السر المكتوم في الفرق بين المالين المحمود والمذموم ويليه جواب في الجمع بين حديثين، هما: دعاؤه صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك بكثرة المال والولد، وحديث دعائه بذلك على من لم يؤمن به ويصدقه

ناشر

مكتبة وتسجيلات دار الإمام مالك

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٤ م

محل انتشار

الإمارات العربية المتحدة - أبو ظبي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بل الواجب أن يقال: أقومهما بالواجب والمندوب هو الأفضل. فإن التفضيل تابع لهذين الأمرين، كما قال -تعالى- في الأثر الإلهي: «ما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه. وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّه» . فأيُّ الرجلين كان أقوم بالواجبات وأكثر نوافل، كان أفضل. فإن قيل: فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم، وهو خمس مئة عام» . قيل: هذا لا يدل على فضلهم على الأغنياء في الدرجة وعلو المنزلة وإن سبقوهم بالدخول؛ فقد يتأخر الغني والسلطان العادل في الدخول لحسابه، فإذا دخل كانت درجته أعلى ومنزلته أرفع، كسبق الفقير الخفيف في المضائق وغيرها، وتأخر صاحب الأحمال بعده. فإن قيل: إن النبي ﷺ عرضت عليه مفاتيح كنوز الدنيا فردَّها وقال: «ولكن أشبع يومًا وأجوع يومًا ...» . قيل: احتجّ بحال رسول الله ﷺ كل واحدة من الطائفتين. والتحقيق أن الله ﷾ جمع له بين كليهما على أتم الوجوه. وكان سيد الأغنياء الشاكرين، وسيد الفقراء الصابرين. فحصل له الصبر على الفقر ما لم يحصل لأحد سواه، ومن الشكر على الغنى ما لم يحصل لغني سواه. فمن تأمل سيرته وجد الأمر كذلك؛ فكان أصبر الخلق في مواطن الصبر، وأشكر الخلق في مواطن الشكر» . وقال -أيضًا- بعد كلام طويل جدًا ما نصه: «وأي غنيّ أعظمُ مِن غنى من عرضت عليه مفاتيح كنوز الأرض، وعرض عليه أن يجعل له الصفا ذهبًا، وخُيِّر بين أن يكون ملكًا نبيًا وبين أن يكون عبدًا نبيًا، فاختار أن يكون عبدًا نبيًا. ومع هذا فجُبيت إليه أموال جزيرة العرب واليمن، فأنفقها كلها ولم يستأثر منها بشيء، بل تحمَّل عيال المسلمين ودَيْنهم. فإذا احتجَّ الغني الشاكر بحاله ﷺ، لم يمكنه ذلك إلا بعد أن يفعل فعله. كما أن الفقير الصابر إذا احتجَّ بحاله ﷺ، لم يمكنه ذلك إلاَّ بعد أن يصبر صبره، ويترك الدنيا اختيارًا لا اضطرارًا. فرسول الله ﷺ وفَّى كل مرتبة من مرتبتي الفقر والغنى حقها وعبوديتها. وأيضًا فإن الله -سبحانه- أغنى به الفقراء، فما نالت أمَّته الغنى إلا به. وأغنى الناس من صار غيره به غنيًا» . وتكلَّم -أيضًا- على الآفات التي تعترض كلًا من (الفقير) و(الغني)، فقال: =

1 / 189