أحوال أهلها، وفيه رفع مغالط تعترض للسالكين لطريق الآخرة؛ فيفهمون الزهد وترك الدنيا على غير وجهه؛ كما يفهمون طلبها على غير وجهه؛ فيمدحون ما لا يمدح شرعًا، ويذمون ما لا يذم شرعًا.
وفيه -أيضًا- من الفوائد فصل القضية بين المختلفين في مسألة الفقر والغنى، وأن ليس الفقر أفضل من الغنى بإطلاق، ولا الغنى أفضل بإطلاق، بل الأمر في ذلك يتفصل (١)؛ فإن الغنى إذا أمال إلى إيثار العاجلة كان بالنسبة إلى صاحبه مذمومًا، وكان الفقر أفضل منه، وإن أمال إلى إيثار الآجلة؛ بإنفاقه في وجهه، والاستعانة به على التزود للمعاد؛ فهو أفضل من الفقر (٢)، والله الموفق بفضله.
* رسالة السَّخاوي «السِّر المكتوم»:
• تعريف عام (٣):
عمل السَّخاوي -رحمه الله تعالى- في رسالته هذه على إيراد النصوص المسندة -وساق بعضها بإسناده إلى رسول الله ﷺ، في مدح المال وذمه، وقصد
_________
(١) هذا الذي قرره السّخاوي في رسالته هذه «السر المكتوم»، وسيأتيك نقولات طويلة من وجوه وأدلة عديدة في نصرته وتأييده.
(٢) انظر في «المفاضلة بين الفقر والغنى»: «قواعد الأحكام» للعز بن عبد السلام (٢/٣٦٢-٣٦٥)، «فتاوى ابن الصلاح» (ص ٤٧-٥٠، ٥٢)، «تفسير القرطبي» (٣/٣٢٩ و٥/٣٤٣ و١٤/٣٠٦ و١٥/٢١٦ و١٩/٢١٣)، و«عدة الصابرين» (ص ١٩٣-١٩٥، ٢٠٣- ٢٠٤، ٢٠٨-٢٠٩، ٢١٧، ٢٨٤، ٣١٣-٣١٤، ٣١٧-٣٢٢)، «مجموع فتاوى ابن تيمية» (١١/٢١، ٦٩، ١١٩-١٢١، ١٩٥ و١٤/٣٠٥- ٣٠٦)، «الفتاوى الحديثية» (ص ٤٤- ٤٥)، ورسالة محمد البيركلي (ت ٩٨١هـ) «المفاضلة بين الغني الشاكر والفقير الصابر»، وهي مطبوعة عن دار ابن حزم - ببيروت، سنة ١٤١٤هـ، في (٦٤) صفحة.
(٣) ظفرت في موضوعها: بما ذكر ابن طولون في ترجمته لنفسه «الفلك المشحون» (٨٩): «تهذيب المقال في الفرق بين ما يحمد ويذم من المال»، وهو فيها -على غالب ظني على عادته- لم يخرج عما عند المصنف.
وفي «هدية العارفين» (١/٥٧٤): «كمال الآمال في بيان حال المال» لعبد الصمد الفارسي.
1 / 18