فأجابه الجنرال: إنك مخطئ ومصيب، ففيدور يحب ابنتي، ولكن يظهر أن ابنتي لا تهواه، وحقيقة دخل فيدور غرفتها قبل منتصف الليل، ولكنه خرج منها على ألا يعود، ومع ذلك فلست بمخلف وعدي معك، فاحضر إلي في الصباح لأنقدك الألف روبل وأمنحك الحرية.
فنكس جريجوار رأسه، وانصرف مطرقا مفكرا بين مصدق ومكذب، لا يدري كيف يؤول غياب فيدور في تلك الساعة، وقد رآه بعيني رأسه قاصدا غرفة الفتاة ولم يخرج منها، لكنه تسلى بما ينتظره في الصباح، فأشرقت جبهته وأبرقت أسرته، فقصد فراشه يحلم بالروبل الذهبية وإطلاق الحرية.
الفصل الحادي عشر
ما كاد الجنرال يبرح غرفة ابنته حتى أسرعت أنوشكا، فأغلقت الباب غلقا محكما، ووقفت وراءه فاننكا مصغية لوقع أقدام أبيها حتى ابتعدت في ظلمات الدهليز، وعند ذلك اندفعت إلى الغرفة المجاورة لغرفتها وتبعتها وصيفتها وأخذت الفتاتان تزيحان صررا من الملابس كانت ملقاة فوق صندوق ذي لولب؛ ليخفيه عن الأنظار، ثم ضغطت أنوشكا على زر الصندوق فرفعت فاننكا غطاءه، وما كاد ينفتح الصندوق حتى صرخت الفتاتان معا منزعجتين لما رأتا: إذ صار الصندوق قبرا، وأصبح فيدور فيه جثة بلا روح.
ولقد ظنت الفتاتان طويلا أن ما به إغماء، فحاولتا إنعاشه برش الماء على وجهه وإعطائه المنبهات، ولكن ذهبت أتعابهما أدراج الرياح؛ فإن المسكين كان اختنق لقلة الهواء، حيث طالت محادثة الجنرال مع ابنته أكثر من نصف ساعة، حاول فيدور فيها التخلص من سجنه، فلم يستطع لتعسر فتح الصندوق من الداخل.
أصبح الموقف حرجا: فتاتان وجثة لا تدريان معها ما تفعلان، فكانت أنوشكا تتصور طريق سيبريا ممدودا أمامها للمنفى الأبدي، أما فاننكا - والحق يقال - فكانت لا ترى ولا تفكر إلا في فيدور، وقد بلغ اليأس من الفتاتين المدى.
وبعد برهة من السكوت التفتت أنوشكا لسيدتها قائلة: مولاتي، لا يجدينا الحزن واليأس شيئا، فلا بد من التدبر في طريقة تخلصنا مما نحن فيه.
فأجابتها فاننكا: تخلصنا ربما، ولكن هذا المسكين؟!
قالت الوصيفة: لا شك يا مولاتي أن حزنك عليه عظيم، ولكن تدبري الأمر، فمرهون عليه شرفك وشرف أبيك وأسرتك.
فأجابتها فاننكا: لا يهمني الشرف بعد موت الحبيب، فلأبكينه ما حييت ولا يتعزى قلبي لفقده أبدا.
صفحه نامشخص