وإذا عدنا إلى الآيات الاولى التي نزلت عليه قبل ثلاث سنوات ، وهو متدثر في فراشه ، إثر أول خطاب إلهي له وقراءة قوله تعالى :
(ولربك فاصبر ). ( المدثر / 7 )
فإن التأمل فيها يوصلنا إلى أن تلك الايات كانت تصريحا بما سيلاقيه الرسول (ص) وإعدادا نفسيا له ، وبعد ثلاث سنوات من العمل السري يأمره رب العزة أن يعلن دعوته ، وينتقل من
(34)
المرحلة السرية إلى المرحلة العلنية ، ويتحمل تبعات هذا الاعلان والانتقال والمواجهة العقائدية والحضارية الصريحة ، ويتحدى طغاة عصره .
قال عبيدالله بن علي الحلبي : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول :
« مكث رسول الله (ص) بمكة بعدما جاءه الوحي عن الله تبارك وتعالى ثلاث عشرة سنة ، منها ثلاث سنين، مختفيا خائفا لا يظهر ، حتى أمره الله عز وجل أن يصدع بما أمره به فأظهر حينئذ الدعوة » ((1).
وجاء في الدر المنثور: أخرج ابن جرير عن أبي عبيدة ، أن عبد الله بن مسعود قال:
« ما زال النبي مستخفيا حتى نزل ( فاصدع بما تؤمر)، فخرج هو وأصحابه » (2).
ويتحدث المؤرخون عن كيفية إعلان الرسول (ص) لدعوته ، ومفاجأته لقريش ، وتحديه لكبريائها وصلفها، ذكروا أن النبي (ص) خرج هو وأصحابه، وكان عددهم يومذاك أربعين شخصا خرجوا على شكل تظاهرة إعلامية منظمة لم يألفها العرب آنذاك ، فقد انتظموا في صفين اثنين واخترقوا طرق مكة وسككها .
وروى اليعقوبي :
صفحه ۴۵