ان أول ما بدئ به رسول الله (ص ) من الوحي ، الرؤيا الصادقة ، وكان يرى الرؤيا فتأتيه مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، ( فكان يخلو بغار حراء ) (1).
إن المتأمل في تلك الرواية يستطيع أن يفهم منها حقائق أساسية تتعلق بالوحي والنبوة :
1 إن النبي كان يهيأ من قبل الله تعالى لتلقي الوحي بتوجيهه عن طريق الالهام والالقاء في نفسه ، والانكشاف له من خلال الرؤيا الصادقة ، ولم يفاجأ به ، كما تصور بعض الاخبار
ذلك .
وواضح أن رؤيا الانبياء هي درجة من درجات الوحي ، ولكنها أقل مستوى من التكليم بواسطة جبريل (ع) .
2 تحبيب الخلوة له من قبل الله تعالى ، لينقطع عن عالم الحس والشهادة ، ويستغرق في التأمل والتعالي نحو عالم الغيب والملكوت الاعلى ، والاتجاه إلى الله سبحانه ، وليكون مهيأ
لتلقي الفيض الالهي والوحي الرباني . وبذا فلم يكن النبي (ص) ليذهب إلى غار حراء ذهابا
(30)
عفويا غير موجه ، ولا حكمة فيه ولا انتظار؛ فالروايات تصرح بأن النبي (ص) كان ينقطع في كل عام شهرا كاملا في هذا الغار ، للخلوة والانفراد . كما كان يذهب في بعض الايام للخلوة والتأمل هناك ، وليس معقولا أن يتم كل ذلك بصورة عفوية ، أو بدافع شخصي من الرسول ، بل كان توجيها إلهيا ، ومرحلة تأمل وانتظارا للوحي .
لقد كان على اتصال بعالم الملكوت الاعلى عن طريق الرؤيا والمنام .
نزول الوحي
وفي سنة (610 م) وهي السنة التي أراد الله سبحانه أن يبعث نبيه محمدا (ص) إلى الناس كافة ، كان النبي قد ذهب في شهر رمضان من تلك السنة ، إلى الغار ومعه أهله مجاورون ، فأتاه جبريل (ع) فألقى إليه كلمة الوحي ، وأبلغه بأنه نبي هذه البشرية والمبعوث إليها .
صفحه ۴۰